27 حزيران

يوانا القديسة الحاملة الطيب

ما ان لمست جسد الفادي القدوس ، حتى جرحها سيف حزن عميق ، في الوقت عينه ، وعلى نحو يدعو للدهشة ، احسّت بموجة عارمة من الفرح تنساب في اعماقها .

كان اسمها يوانّا ،وكانت زوجة شوزا خادم بيت الملك الطاغية هيرودس ( كما هو محدد في الاصحاح الثالث من انجيل لوقا ) ، كانت ممن تبعن المسيح بكل محبة ، وعندما انتشر نبأ موته ، بعد ساعات ثلاث على الصليب في الجلجلة ، هرعت سرا لمساعدة بعض النساء الوفيات كي يدهن جسد الرب بالطيب .

وفي اللحظة التي نظرت فيها الى جسد ربها ومخلصها ، ذاقت الحزن والفرح بآن معا ، لقد لفحها الحزن لأنها عرفت ان المحب والوديع الذي كانت تخدمه طوعا ، زمنا طويلا  قد غادر هذا العالم الفاني ، وهي لن تعود قادرة ان تراه في هيئة ارضية ، الا انها كانت فرحة في الوقت نفسه لأنها عرفت انه انجز مقاصده ، وانه سوف يعزي الاحياء ، ويقيم الموتى .

بالطبع هذه لم تكن المرة الاولى التي تدعى فيها القديسة يوانا في احتفالات جناز مسيحي لمحبوب مضى الى مصيره الاخير ، وليس قبل زمن بعيد ، كان الملك هيرودس قد رتب لقطع رأس العظيم يوحنا السابق ، ووضعه على طبق .
هذا الجثمان الطاهر كان يرتاح في مكان لا يليق به ، وبالنسبة لهذه المرأة يوانا ، فالنتيجة المسيئة للمقدسات ، كانت غير مقبولة ، فانسلت تحت جنح الظلام ، واستعادت الرفات الطاهرة ، وعملت على مراسيم دفن لائقة على جبل الزيتون ، وبعد مرور ثلاثة قرون ، وفي عهد الامبراطور المسيحي قسطنطين الكبير اكتشفت الهامة الشريفة حيث كانت قد اودعتها ، فنقلت الى القسطنطينية حيث راحت اجيال من المسيحيين تكرم رفات المحبوب .

وكالعديدات من النسوة اللواتي تبعن المسيح وخدمنه ، بمن فيهن مريم المجدلية ، ومريم ومرثا وسوسنة ، كانت يوانا معاونة وفية حاولت عند كل سانحة ان تعد الطريق للرب ، وهذه المجموعة من النسوة ، بحسب لوقا الانجيلي ، اخذن على عاتقهن ان يخدمن جسد الرب للدفن .

كانت هذه مهمة صعبة على النسوة التقيات ، سيما على يوانا التي كانت تتبع يسوع في السر طوال حياتها ، وكانت تستعين بالحيلة كي تتجنب القاء القبض عليها بسبب ايمانها ، ومع ذلك فقد اتمت كل اعمالها بشجاعة وكرامة .

مهمة يوانا كانت تقضي الاعداد للدفن فضلا عن تطيب جسد المحبوب ، اما الاطياب المؤلفة من العطور والبخور ، فهي باهظة الثمن ( ولعلها كانت خمسة اضعاف كلفة الذهب في الزمن الذي كان فيه الرب على الارض ) . وكان يستخدم كي يحجب رائحة الموت ، كما ومن شأنه ان يلطّف بشرة الراقد .

يصفها القديس الانجيلي لوقا في ( 8 : 3 ) و ( 24 : 10 ) على انها مؤمنة وقورة ، وأنّها كانت تنوح بهدوء ، ولعلها كانت تبتسم في بعض الاحيان سيما عندما كانت تتذكر وعد الرب بالقيامة من جديد في نهاية الزمان ، والتنبؤ حول ان الرب الفادي سيأتي يوما ليدين الاحياء والاموات ، وأنه ليس لمملكته منتهى .

تصوروا صدمتها ودهشتها كيف انها عندما كانت ماضية الى القبر مع النسوة الورعات ، بدأت تسمع اصوات الملائكة معلنة بفرح نبأ قيامته ( لوقا 24 : 1-9 ) .

ان سيرة يوانا الحاملة الطيب تخبرنا الكثير عن لطف يسوع المسيح تجاه الذين اعتنوا به ، واذ نطالع اوصاف هذه المرأة النبيلة ، واوصاف زميلاتها اللواتي ذهلن عندما لم يجدن الرب في القبر ، يمكننا ان نختبر الصدمة والعجب التي تسببت بها قيامة الرب في كل انحاء فلسطين .