البارة بيلاجيا التائبة

 8 تشرين الاول

 

الرب يحب الخطأة حبا جما ، كما نعلم ، ومن السهل ان نتصور انه لا بد ان يكون قد احب بيلاجيا المكرمة محبة خاصة لأن هذه الخاطئة الرهيبة لم تطلب التوبة بسبب افعالها الرديئة فحسب ، بل قامت واصبحت تقية وناسكة وقديسة .

ولدت في انطاكية لوالدين كانا وثنيين محافظين ، لقد بددت هذه القديسة التي عاشت في القرن الثالث للميلاد ، شبابها ، فقد حباها الله جمالا اخاذا، واطرافا جميلة ، وسرعان ما اصبحت راقصة شعبية ، وممثلة متميزة ، الا ان سيرتها كانت على كثير من العهر والمجون ، حتى انها انزلقت الى هاوية الدعارة ، واهملت نفسها اليقظة بالالهيات ، والجمال الروحي.

بدت بيلاجيا وكأنها متجهة الى سيرة من الانحلال الاخلاقي الرهيب …. الا ان القدير رحمها ، والهمها ان تواجه الاثم الذي انحدرت اليه ، واعجوبة يقظتها ونهوضها جرت في صبيحة يوم من سنة 250 م . بينما كانت بيلاجيا تسير بجوار كنيسة الشهيد جوليان ، حيث كان الاسقف نونوس يلقي عظة بليغة اخذت مجامع سامعيه .

كل يوم احد اعتادت المومس الجميلة والثرية ان تطوف ارجاء المدينة في عربة مطهمة يجرها حصانان عربيان قويان ، ولكن في ذلك السبت ، كانت العناية الالهية تعمل بوضوح ، ما ان دنت بيلاجيا من الكنيسة ، حتى احسّت ان جماهير المشاة كانت تبطيء من تقدمها ، فراحت تسترق السمع لهذه الكلمات البليغة التي يقولها الاسقف في بازيليك القديس جوليان في انطاكية .

وبغتة احسّت ( بيلاجيا ) بومضة نور تضيء نفسها المتعبة ، واجتاحها موجة مفاجئة علامة من الندم اتت على كيانها  فتذكرت حياتها المهدورة عبثا ، فقررت ان تعود لاحقا كي تتعلم المزيد من الاسقف القديس نونوس .

ولما زارته لاحقا للتزود بالتوجيه ، قام الاسقف القديس ووصف لها بحيوية يوم دينونة الرب الرهيبة ، والجحيم الابدي الوشيك ، فتأثرت بيلاجيا جدا وراحت تصغي اليه بشيء من الهلع لما علمت بالقصاص المعد لتلك النفوس التي سقطت في الهلاك الابدي ، فالتهمت كيانها نار لا تطفأ ، فالنفوس المدانة تصرخ وتئن من الالم والحزن بينما الشياطين تزمجر في وجهها وتنخسها بلا هوادة  او رحمة !

وبينما راح الاسقف يصف لها تلك العذابات الابدية ، كانت بيلاجيا تجلس خائفة وبدون حراك ، هل فاتها القطار ولم يعد بوسعها ان تغير سيرتها لتنقذ نفسها التي لا تقدر بثمن ؟ وما هي إلا بضعة دقائق حتى زالت الغشاوة من عينيها فبدأت تفهم ان كل حياتها كانت تعاش في الخطيئة ، وكانت هي في خطر ان تهدر الابدية في اعماق الجحيم !

ولما بلغت ذورة احتقار سيرتها السالفة في الملذات والبذخ والرفاهية ، سقطت هذه الغانية على ركبتيها امام الاسقف ، وراحت ترجوه بالكلمات التالية وتقول :” ارحمني انا الخاطئة ايها الاب القديس ! عمّدني وعلمني التوبة . انا بحر من الخطايا ، ولجة من الهلاك وشبكة وسلاح في يد ابليس “.

فاستجاب الاسقف الصالح بدون تردد ، ووعد التائبة بمنحها المعمودية التي شرعت تتوق اليها ، ولم يخلف الوعد ، فعندما حان الوقت لاقامة السر ، تهللت بيلاجيا عندما رأت ان شماسة الكنيسة المغبوطة رومانا ستكون عرابتها .

لقنتها رومانا لاحقا مباديء الحياة المسيحية ، اما بيلاجيا المصلّحة ، فراحت تتأمل طويلا وبعمق في باقات خطاياها السالفة وسيرتها الفاسدة ، ولم يمض وقت حتى اصبحت نموذجا للتقوى وللاستقامة ، وعندما كان ابليس يجربها ، كانت تطرده على الفور .

لم ينته الامر مع بيلاجيا عند هذا الحد ، بل قامت وجمعت كل الامور القيّمة التي عندها ووضعتها بين يدي الاسقف كي يوزعها هو على المساكين ، فقام يعلن للملأ وبحسب شهادة مؤرخين كنيسيين من الحقبة :” فليوزع هذا على الجميع ، حتى ان الثروة التي جنتها هذه بالخطيئة تصبح غنى للبر !”

وما هي الا ايام حتى وزعت هذه الكنوز التي كسبتها من الدعارة والتضليل على الجياع والمساكين ، الذين تحسنت احوالهم بفضل هذه البركة .

ولما كانت قد عقدت العزم على اعادة بناء حياتها الروحية ، قامت ( بيلاجيا ) وانطلقت الى اورشليم مغطاة الرأس ، لتبدأ سيرة مختلفة بالكلية ، متنكرة بزي راهب تقي يدعى بيلاجيوس ، فأقامت في مغارة على مقربة من جبل الزيتون مرتدية ثباب الرجال وعائشة حياة بسيطة قوامها شظف العيش وتكريس القلب ، عرفت بيلاجيا في تلك الاسقاع كلها بالراهب الذي لا لحية له ، اما امر انوثتها فلم ينكشف الا عند نهاية حياتها .

لم ينس الاسقف نونوس بيلاجيا ، وبعد ثلاث سنوات على رحيلها ، ارسل يعقوب الشماس الى اورشليم لزيارة صديقه الاخ بيلاجيوس ، فعرف يعقوب بقلايتها ، فخرجت الى الباب ، فحمّل المرأة افضل التمنيات من الاسقف ظانا انها راهب ، اما هي فلم تعلن عن هويتها الحقيقية …. بل قامت بكل بساطة وشكرته بلطف طالبة منه ان يزورها من جديد بعد حين .

ولدى عودته الى القلاية بعد ايام ، وجد يعقوب ان الراهب بيلاجيوس قد رحل . وفقط عند مسح الجسد عرفوا ان الاخ بيلاجيوس كان امرأة !

رقدت بيلاجيا قرابة سنة 284 بحسب بعض مؤرخي الكنيسة ، وكان قبرها على جبل الزيتون محجة للجميع منذ ذلك الحين .

حياة القديسة بيلاجيا هي شهادة ساطعة على رغبة الله في ان يغفر خطايا جميع الخطأة ، مهما كانت عميقة وكثيرة ، سيرتها تظهر لنا محبة الله وقبوله لكل البشر بصرف النظر عن سيرتهم قبل اهتدائهم ، وأن الغفران الالهي ليس للقلة فقط ، بل يعطى مجانا للجميع !

ابوليتيكيون باللحن الثامن :

” بك حفظ التمثال باحتراز وثيق ايتها الام بيلاجيا ، لأنك حملت الصليب وتبعت المسيح ، وعملت وعملت ان يتغاضى عن الجسد لأنه يزول ويهتم بأمور النفس غير المائتة ، لذلك ايتها البارة تبتهج روحك مع الملائكة “.

قنداق باللحن الثاني :

” لما اذويت جسدك بالاصوام والاسهار والصلوات ، ابتهلت الى الخالق ، ان تنالي ايتها الام غفرانا كاملا عن اعمالك وقد حصلت عليه حقيقة ، مظهرة طريق التوبة .