سحابة الشهود

قديسون وشهداء

من

الأرض المقدســـــة

بقلم

الأسقف ديمتري (متى) خوري

مقدمة

بحسب الاباء القديسين ، القديس هو ببساطة مسيحي اقتبل بغزارة عطية جزيلة الثمن من لدن الله  مفادها ان يصبح قادرا على الجهاد من اجل الكمال الروحي الذي ليسوع المسيح . ولئن كان البشر جميعهم ضعفاء ناقصين ، ولا يمكنهم ان يرجوا حقا ، كمالا غير محدود ، كهذا ،الا ان قلة منهم بين حقبة واخرى من الزمن ، سعوا بنعمة الله ، للنهوض نحو قامة القداسة الروحية ، فأعلنت قداستهم ، وطوبوا قديسين .

وتطويب القديسين يحصل عندما تقرر الكنيسة المقدسة ان بر او تقوى حياة المسيحي ، يضمن هذا الارتقاء الخاص .

قلة من الناس تبلغ هذه القامة الرفيعة في حياة الكنيسة ، وما يدعو للدهشة ، هو ان العهد الجديد يدعونا كي نكون قديسين ، وكيف ذلك ؟ فقط ببذل قصارى الجهد ، على الدوام ، كي نبلغ القداسة بالجهاد ، للاقتداء بالكمال الروحي الذي لابن الله .

القديسون العظماء في الارض المقدسة جاهدوا كي يقتفوا حياة المسيح ،وبعملهم هذا ، اتخذت سيرتهم اشكالا كثيرة ، بالاعتماد على أوضاعهم الفردية وظروف حياتهم ، والكنيسة المقدسة تعترف بهذه الاشكال المختلفة ، فهي تصنف اشكال القداسة في ابواب واسعة :

1-الانبياء :

انهم تلك النفوس الشجاعة التي تنبأت عن مجيء المخلص. وقد جازف اصحابها بحياتهم كي ينذروا غير المؤمنين من ان عصيانهم او نكرانهم لله القدير سوف يأتي بالدمار على العالم . هؤلاء العظماء دفعوا حياتهم ثمنا باهظا عندما اصبحوا رسلا لله .

2-الرسل :

هم تلاميذ المسيح الذين اضطلعوا بنشر انجيل الخلاص اثناء وبعد صعود يسوع المسيح الى السماء ولما كانت الكنيسة هي من عمل الرسل ، فهم يحتلون مكانة خاصة في قائمة القديسين . وبين سير الرسل القديسين ، فان سيرة القديس بطرس تصف بقوة الجهاد الانساني عند انسان ضعيف انكر انه يعرف يسوع : ” اقول لكم اني لست اعرف الرجل “. الا ان القديس بطرس نطق بواحدة من اكثر الجمل تعبيراَ عن محبته وولائه للسيد في العهد الجديد : ” يارب انت تعلم كل شيء ، وانت تعلم ااني اودك ” ( يوحنا  17:21) . في النهاية قضى بطرس شهيدا عندما صلب في عهد نيرون بسبب كرازته بالانجيل في روما سنة 68 م . وكان بطرس متواضعا جدا حتى انه رجا الذين كانوا يحتجزونه كي يصلبوه رأسا على عقب ، وذلك لأنه لا يستحق ان يموت كما مات يسوع المسيح ربه ومخلصه .

3-الشهداء :

هؤلاء هم القديسون الذين قبلوا ان يموتوا على ايدي اعداء الله كثمن لتحدي عبادة الاوثان ونشر بشرى الخلاص في كل انحاء العالم المعروف ، وبين قديسي الارض المقدسة الذين نالوا اكليل الشهادة ليس مثل استفانوس الشماس اول الشهداء الذي كان ضحية حملة افتراء نظمها بعض الكهنة اليهود في السنوات التي اعقبت صعود الرب الى السماء . لقد عوقب استفانوس لكرازته بالانجيل الشريف للناس في شوارع اورشليم . ولما اوشك ان يفارق الحياة ، صلى هذا الشجاع عاليا

وقال : ” يارب لاتقم عليهم هذه الخطيئة ” ( اعمال 60:7 ) . لقد قضى تحت وابل من حجارة الطريق خارج ابواب اورشليم ، وكان في الثلاثين من عمره . وبحسب كتابات المؤرخ الكنسي استرياس ، كان استفانوس اول الشهداء ، واساس الاعتراف بالمسيح ، واول من سفك دمه من اجل الانجيل .

4-اباء الكنيسة ورؤساء الكهنة :

هؤلاء هم القديسون الذين كرسوا حياتهم لقيادة الكنيسة ، وللدفاع عن استقامة الرأي ضد اخطار التعاليم الهرطوقية . كانوا بحاجة ماسة الى موهبة روحية مختلفة : انها الصبر . وفي هذه الفئة هناك سيرة القديس كيرلس وخدمته لسنين عديدة بطريركا على اورشليم ( 315-386 ) . لأكثر من ثلاثين سنة ، ناضل القديس المتواضع كيرلس بشراسة ضد الاريوسية القوية والخطيرة ، فقد اصرّ الاريوسيون ان المسيح لم يكن الها ، بل نبيا فقط ، وهكذا كانت تعاليمهم خطرا قاتلا لحقيقة استقامة الرأي . لقد حال القديس كيرلس دون ان تكون الاريوسية جزءا من العقيدة الارثوذكسية ، وللقيام بهذه المهمة ، كان البطريرك الشجاع بحاجة الى علامة من الله ، الى تعبير رمزي في اورشليم من شأنه ان يقنع اباء الكنيسة ، وايضا الامبراطور الروماني وللدهشة ، فقد ظهرت تلك العلامة في سماء اورشليم يوم العنصرة من سنة الرب 351 م بينما كان القديس ينظر من مكان اقامته ، اضاء صليب كبير جدا سماء المدينة لمدة تزيد على اسبوع منبسطا بشكل قوس ضخم يغطي سماء المدينة كلها ، انه صورة صلب المسيح ، ومن تلك اللحظة فهم سكان اورشليم ان الرب نفسه كان يؤكد حكمة البطريرك الصابر ، فهزمت الهرطقة وتأكد نقاء عقيدة الكنيسة .

5-الرهبان :

الرهبان هم القديسون الذين عاشوا سيرة متشددة من نكران الذات ، والعمل الشاق وقد اثروا الاقتداء بكمال المسيح . لقد عاش الرهبان لسنين طوال في قلالي معزولة . او طافوا براري الارض المقدسة ، يقتاتون فقط من الاعشاب ، وينامون في الكهوف او في العراء كل ليلة . بدأوا في القرن الثالث للميلاد في براري الارض المقدسة المحازية لنهر الاردن والبحر الميت ، وقد شيد هؤلاء المتنكرون لذواتهم اديار المسيحية الاولى ، واقاموا تقليدا للعبادة حددوا فيه جوهر المسيحية . وبين هؤلاء الذين يخشون الله هناك العظيم المتقدس سابا ( 526-553 ) الذي انشأ واحدا من اقدم واكبر الاديار والمعها في الحياة الروحية في تاريخ الكنيسة الاولى ، وهي تبعد قرابة 20 ميلا عن اورشليم . وثيودوسيوس الكبير والمتقدس سابا اوجدا تراثا ليتورجيا مايزال الى اليوم بمثابة اساس للعبادة الارثوذكسية في كل مكان . وسابا هو رجل الفضيلة بامتياز ، ورجل الصلاة الدائمة . وقد امضى الاربعين سنة الاخيرة من حياته يعلم رهبانا اخرين كيفية مقاومة تجارب الكبرياء والانا والفرح بالاعمال اليومية كتقشير الفاصوليا ، وحياكة السلال ، وتربية العسل في الاراضي التابعة للدير .

6-طغمة الابرار :

وتتضمن الذين عاشوا بالبر في الارض المقدسة ، وبين الاهل والاصدقاء ، وقد ابدوا فضيلة وبرا فائقين حتى انهم تركوا اثرهم في من هم حولهم ، بالنسبة اليهم ، الاخر هو واجب كبير ، فهم نعموا باحساس من المسؤولية تجاه الاخرين في الانسانية .

ولما كانت ” سحابة الشهود ” لا تتناول سيرة جميع القديسين في الارض المقدسة ، فان هذا الكتاب يحوي نماذج من كل الفئات المذكورة اعلاه . وبكل بساطة ، ليس هو الكتاب الوحيد الذي يقدم سيرة هؤلاء القديسين ، الا ان ما يجعل الكتاب هذا  مختلفا عن كتب اخرى مماثلة انما هو الحميمية والتقديم الحي ، سيرة القديسين لاتقدم في الكتاب لتلخص وقائع حياتهم . انما هذه السير هي قصص حية لأناس يجاهدون في الطريق الى القداسة .

نحن جميعا مدعوون ان نكون قديسين . وبتذكر دعوتنا وتأملنا في سيرتهم يمكننا ان نصبح اخلاء لهم فهم قد عاشوا الايمان المسيحي بحق . فليؤهلنا الرب ان نعمق فهمنا للجهاد الروحي الذي يجري في كل واحد منا ، وليباركنا ويهبنا القوة والشجاعة كي نجاهد الجهاد الحسن ، من اجل مجده .  ( عبرانيين 33:11-40 : 1:21-2 )

الاسقف ديمتري ( متى ) خوري

أحد القديسين الفلسطينيين

الأحد الثاني بعد العنصرة

طروبارية القديسين باللحن الأول :

لنكرم رهط القديسين الكثيري العدد ، الذين نبغوا في فلسطين في سائر الأزمان ، الأنبياء والرسل والنساك والأبرار ، ورؤساء الكهنة ، والمجاهدين المعروفين والمكتومي الاسم ، ومن أعماق النفس ، فلنهتف نحوهم : المجد للذي عززكم  المجد للذي كللكم ، المجد للذي أنار بواسطتكم ، كل المسكونة .