عيد مار توما الرسول

توما الرسول واحد من الاثنى عشر الذي يطلق عليه التوأم ، والتوأم على الأغلب أن أمه حبلت به في بطنها مع آخر ، وظنه البعض بغير دليل ( متى ) لأن ترتيب اسمه يلحق اسم متى ، أو أنه توأم نفسه لازدواج شخصيته الذي لا يستقر على حال فهو مرة مؤمن وغاية في الإيمان وأخرى يكاد يكون لا إيمان له ، أود أن آخذ التوأم بصورة أخرى ، إن توما الرسول أخذ مركزه في وسط التلاميذ وأنا وأنت توأمه الصحيح ، قبله المسيح رغم التذبذب الشديد الذي يرتفع إلى أعلى الجبال أو يهبط إلى أعماق الوديان ، …..وهذه صورتنا نحن البشر جميعاً في الحياة ….. أمام الطريق المجهول ، فتوما يتساءل مثلنا ( لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق ) !!!(يو 14: 5) حتى يصبح أمام رؤية المسيح فيصرخ : ( ربي وإلهي ) !!! ….(يو 20:28) فتوأم توما إذن أنا وأنت .

من هو توما الرسول:
توما الرسول الإنسان الوفي ، العميق الوفاء والإخلاص ، … الإنسان الذي أحب سيده حتى الموت وهو على استعداد كامل أن يموت معه ومن أجله ، ….يبدو هذا عندما السيد يواجه الخطر ففي ذهابهم إلى بيت عنيا بمرض لعازر ، وكانت عداوة اليهود قد استحكمت ضده ، وحاول التلاميذ أن يمنعوا المسيح من الذهاب ، ولما أصر السيد على الذهاب وقراره ثابت ، قال توما الرسول : ( لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه ) ( يو 11: 16) فأعطى صورة الرجل الوفي العميق الوفاء والحب لسيده العظيم ،……إنه يعطي صورة للمسيحي الصحيح في مشاعره تجاه السيد ، … وهو هنا توأمنا الحلو الجميل .
توما إنسان صريح عندما أخبرهم المسيح في الليلة التي سلم فيها ، أنه سيذهب وسيعلمون الطريق الذي سيذهب فيه ، وعلى الأغلب لم يفهم التلاميذ المعنى المقصود ، فصمتوا ، إلا توما كان صريحاً وهو يقول ( يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نعرف الطريق ) ( يو 14: 5 ) والصراحة أساسها الإخلاص للحقيقة ،لقد كان مخلصاً للمسيح في محبته ومستعداً للموت من أجله .

نظرة توما للحياة دائماً النظرة المتشائمة ، فعند موت المسيح على الصليب استولى عليه الأحزان إلى درجة انعزل فيها عن كل إنسان ولم يظهر مع اخوته في يوم القيامة ، وبقي مع آلامه وأحزانه ولا يستطيع أن يصدق أخبار القيامة ، مع تأكيد التلاميذ أنفسهم له ، فأضحى مثالاً للشك وعدم التصديق ، وانهالت عليه الأحكام القاسية فمن قائل : ( إنه الرجل الوحيد الذي يلام لعدم إيمانه عندما نقارنه بجميع الذين كانوا في العلية من تلاميذ المسيح)…. ( كان توما حار القلب سوداوي المزاج ) ….
كان التلاميذ الإثنا عشر أنماطاً مختلفة من الحياة ، اختارها السيد بدقة لكي تكون نموذجاً للتلاميذ الذين سيأتون بعدهم في كل العصور.

توما ومعاملة المسيح له :
كانت معاملة المسيح لأي من تلاميذه الاثنى عشر تختلف عن الآخر ، فهو لا يعامل توما معاملة بطرس والعكس صحيح ،…..لو قال لتوما : ( اذهب عني يا شيطان ) التي قالها لبطرس في يوم من الأيام ، لفقد توما إلى الأبد.
عامل المسيح توما بأسلوبين واضحين هما الحنان ، والإنارة ،….إذ يكفيه قسوة الحياة التي يتطلع إليها من خلال منظاره الأسود ، فيقول المسيح لتوما : ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) (يو 14 : 6 ) ولعل هذا التعبير يعطينا الصورة المثلى للحنان والإنارة اللتين تمتع بهما توما ، ونتمتع نحن بهما إلى ( أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا) . ونصيح مع الرجل القديم : ( ربي وإلهي ) !!!.

المسيح الطريق :
يتحدث المسيح إلى تلاميذه عن آلامه ، وتسليم أحد التلاميذ له ، ونكران بطرس ، وذهابه ليعد لهم مكاناً، ثم يأتي ليأخذهم إليه . فالحديث بمجمله لم يفهموه ، ولعلهم تصوروا أن المسيح ذاهب ليعد مكاناً أرضياً ليبدأ من هناك سلطانه ، مع أن المسيح أكد لهم أنهم سيعلمون الطريق ، لقد تحدث إليهم بهذا في الليلة التي أسلم فيها ، وبعدما علمهم خلال الأربعين يوماً التي ظهر فيها بعد القيامة , إرساليته العظمى ،وعندما جاء يوم الخمسين ملأهم بروحه لينطلقوا إلى أقصى الأرض في الطريق العظيم الخالد في الاتجاه الأبدي ،….لقد كان المسيح ، الطريق إلى معرفة الله . فهو القائل ( الذي رآني فقد رأى الآب ) ( يو 14 : 9 ) . كشف لنا يسوع طريق الخلاص الإلهي ،……بقوله : ( أنا هو الطريق ) ( يو 14 : 6 ) .

البشرية كلها اليوم ضالة وتتخبط في الظلام ، وتحتاج إلى من يقودها إلى هضبة الجلجثة ومن هناك تعرف الطريق الأبدي إلى الله ، في الخلاص بيسوع المسيح ، الطريق هو الشركة مع الله …. إنه الطريق الظليل بأشجار الحب الإلهي . هذا ما قاله يوحنا الإنجيلي ( انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله ) ( 1-يو 3:1)

المسيح الحق :
المسيح هو الحق هذا ما قاله أمام بيلاطس : ( لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق ) …
( يو 18 : 37 ) … سأل بيلاطس ما هو الحق !!! ؟ فالسؤال يجب أن يكون : من هو الحق ، لقد ارتبط الحق بالمسيح وعن شخصه ومبادئه وأعماله ورسالته ونهج الحياة التي طلب أن نعيشها على الأرض !!! فإن تعاليم المسيح ستبقى وحدها التعاليم التي لا تكذب أو تخدع . ومبادئه المثال الوحيد الذي لا يمكن أن يكون له نظير أو بديل !!!…..

المسيح الحياة :
لم يكن المسيح الطريق والحق بل هو أكثر ، إنه الحياة لقد مد المسيح يده برفق وحنان إلى توما المتعثر ، ليريه هذه الحقيقة ، ففي زيارتهم لبيت عنيا كان توما يتصور ، أن المسيح لن يرجع من المكان حياً ، وهو يسير مع المسيح تحت هذا اليقين ، فلكي لا يموت المسيح وحده ، بل يموت التلاميذ أيضاً معه …. وسار المسيح والتلاميذ إلى المقابر لا لكي يروا لعازر ميتاً ، بل لكي يروا المسيح سيداً على الموت ، ومعطياً الحياة .
كان توما من الممكن أن يطوح بمنظاره الأسود ، لولا الكسوف الكلي للشمس يوم الصليب ،….. أن معطي الحياة ، أسلم الروح ودفن في القبر ، وختم على القبر بحجر كبير لا يمكن أن يزحزح من مكانه ، وضاع الأمل وذهب الرجاء ،….. ولم تعد الحياة ذاتها عند توما تحمل معنى للحياة !!!! ….. أين ذهب توما ، ولماذا لم يكن مع التلاميذ يوم القيامة ؟……لقد كره توما الحياة ونفسه والناس جميعاً ، وحبس نفسه في مكان ما …… وإذا قدم عليه أحدهم يبشره بأن المسيح ظهر للتلاميذ جميعاً ، فأجابه : لو أن الدنيا بأكملها أخبرتني بهذا الخبر فأنا لا أستطيع أن أصدق ، فطبيعته السوداوية المزاج سيطرت عليه ، ورجحت كفة الشك وعدم اليقين ،….ولعله قال لنفسه ألا يحتمل أن يكون التلاميذ قد رأوا شبحاً أو خيالاً ظنوه المسيح ،….كان جوابه : ( إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن ) ( يو 20: 25 ) كانت صدمة الرجل قاسية !!!…. وقد شاء الله أن تكون كذلك ليس من أجله وحده فحسب ، بل من أجل أجيال المتشكين في قيامة المسيح .

معاملة المسيح لتوما بالرقة البالغة والحنان الكامل ، وهو يكشف له أنه سيد الموت ، والقادر على أن يدخل والأبواب مغلقة لينادي توما من وسط التلاميذ( هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً ) . فيصرخ توما صيحته المدوية ( ربي وإلهي ) !!! وبخطوة واحدة انتقل من عدم الإيمان إلى الإيمان الكامل !!! ….

توما وخدمته المجيدة :
سار توما في خدمته المجيدة ، وقيل أن ثلاثة من الملوك آمنوا على يديه لو صحت رواية التقاليد , وأنه عمل بين فارس والهند ، وأنه احتمل الاضطهاد حتى ناداه سيده إليه ، بعد أن أكمل سعيه وأتم رسالته ، وإذا صح أنه طعن بحربة وهو يصلي فيكون قد أتم رسالته وحمل صليبه وراء السيد ، ووقف في كل التاريخ توأماً سباقاً في الحب والولاء والخدمة والطاعة والشهادة والاستشهاد لاخوته الذين ساروا على نفس النهج ، وسلكوا ذات الدرب ، ليلتقوا في مدينة الله معاً أمام السيد الذي أحبوه ، واسترخصوا كل شيء في سبيل مجده وملكوته الأبدي العتيد !!..

إعداد : لوسين كردو ـ قنشرين

http://www.qenshrin.com/details.php?id=1677