التعليم الروحي للقديس يوحنا السلمي

البابا: “الحياة الرهبانية ما هي إلا رمز كبير لحياة المعمودية، لحياة المسيحي”

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الأربعاء 11 فبراير 2009 (Zenit.org). –

توقف الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في تعليم الأربعاء 11 فبراير 2009 على اعتبار تعليم القديس يوحنا السلمي الروحي، المتضمن في مؤلفه الرئيسي “السلم” الذي يصف فيه ارتقاء الحياة البشرية نحو الله.

مراحل الحياة الروحية الثلاث

وأوضح الأب الأقدس أن الكتاب يتألف من 30 درجة يمكن إيجازها في ثلاث مراحل رئيسية: الزهد، الجهاد الروحي، والكمال-السلام الباطني.

في المرحلة الأولى يزهد المرء بالعالم للرجوع إلى حالة الطفولة الإنجيلية. “وبالتالي – شرح البابا – الأمر الجوهري ليس الانقطاع عن العالم، بل التواصل مع ما علمه يسوع، أي العودة إلى الطفولة الحقة بالمعنى الروحي، الصيرورة كأطفال”.

الزهد الاختياري يسمح للنفس بالدخول في شركة عميقة مع الله. هذا التجرد يزهر في الطاعة، ويقول يوحنا في هذا الصدد: “طوبى لمن أمات إرادته بالكلية وأوكل العناية بشخصه إلى معلمه في الرب: فسيجلس إلى يمين المصلوب!”.

المرحلة الثانية من المسيرة تتألف من الجهاد الروحي ضد الأهواء. كل درجة من السلم ترتبط بهوى أساسي، يتم وصفه وتشخصيه، وتقديم العلاج المناسب واقتراح الفضيلة المقابلة. وقال البابا: “يشكل مجموع هذه الدرجات، من دون شك، أهم دراسة في الاستراتيجية الروحية في متناولنا. إلا أن الصراع ضد الأهواء يأخذ طابعًا إيجابيًا – لا يبقى أمرًا سلبيًا – بفضل صورة “نار” الروح القدس: “جميع الذين يخوضون هذا الجهاد الجميل (راجع 1 تيم 6، 12)، القاسي والشظف، […]، فليعلموا يقينًا أنهم أتوا ليرموا ذواتهم في النار، إذا ما تشوقوا حقًا أن تقيم فيهم النار غير الهيولية” (1، 18؛ 636)”.

“نار الروح القدس الذي هو نار الحب والحق. وحدها قوة الروح القدس تضمن النصر”.

أما المرحلة الأخيرة من مسيرة الكمال المسيحي، مرحلة السلام الباطني، فهي تتحلى أولاً بالفضائل الثلاث: البساطة، التواضع، والتمييز. والفضيلة الأهم هي المقدرة على التمييز.

وعلق البابا: “يجب إخضاع كل تصرف للتمييز؛ كل شيء يعتمد على الزخم الباطني، الذي ينبغي على المرء أن يسهر عليه. ندخل هنا في صلب الشخص ويتوجب أن نوقظ في الناسك، في المسيحي، الحس الروحي، “حس القلب”، الذي هو من هبات الله: “بعد الله، يجب أن نتبع ضميرنا كمرشد وقانون في كل شيء””

وهذه الحالة تهيئ الإنسان إلى الصلاة، التي هي مزدوجة في يوحنا: “الصلاة الجسدية” و “صلاة القلب”. وتأخذ هذه الصلاة عن يوحنا اسم “صلاة يسوع” (Iesoû euché)، وهي تتألف من دعاء اسم يسوع وحده، دعاءً مستمرًا مثل التنفس: “فليضح ذكر يسوع شيئًا واحدًا مع تنفسك، وعندها ستعرف فائدة الهدوئية”، السلام الداخلي.

الفضائل الإلهية

ثم انتقل البابا إلى استعراض الدرجة الأخيرة من السلم (30)المكرسة لـ “ثالوث الفضائل” الأسمى: الإيمان، الرجاء، وبشكل خاص المحبة، فقال: “يتحدث يوحنا عن المحبة كـ “إيروس” (حب بشري) أيضًا، وهي صورة الاتحاد الزوجي بين النفس والله. ويختار أيضًا صورة النار لكي يعبر عن حرارة، ونور وتطهير الحب لأجل الله. يمكن توجيه قوة الحب البشري نحو الله، تمامًا كما يمكن تطعيم الزيتون الصالح في الزيتون البري”.

ثم أضاف: “يعبر يوحنا عن قناعته بأن خبرة كثيفة لهذا الإيروس تسمح للنفس بالتقدم أكثر بكثير من الجهاد القاسي ضد الأهواء، لأنه قوة الإيروس عظيمة. وبالتالي يغلب الطابع الإيجابي في مسيرتنا” لافتًا أن يوحنا ينظر إلى الحب في علاقة حميمة مع الرجاء.

آنية التعليم لمسيحي اليوم: الحياة الرهبانية كشهادة نبوية

وفي الختام طرح البابا السؤال حول آنية مسيرة رجل عاش دومًا في جبل سيناء في زمن بعيد جدًا بالنسبة لنا.

وقال: “إذا ما نظرنا عن كثب، لرأينا أن تلك الحياة الرهبانية ما هي إلا رمز كبير لحياة المعمودية، لحياة المسيحي. تكشف، إذا جاز التعبير، بأحرف كبيرة ما نسطّره يومًا فيوم في أحرف صغيرة”.

ووصف الحياة الرهبانية بأنها “رمز نبوي” يكشف لنا عن ماهية حياة المعمّد، في الشركة مع المسيح، ومع موته وقيامته.

وقال الأب الأقدس: “في نظري، إنه لأمر هام جدًا أن قمة السلم هي في الوقت عينه الفضائل الأساسية، الأولية، والبسيطة: الإيمان والرجاء والمحبة. هذه الفضائل ليست فقط في متناول الأبطال الأخلاقيين، بل هي هبة الله إلى كل المعمدين: وفيها تنمو حياتنا. البداية هي النهاية أيضًا، نقطة الإنطلاق هي أيضًا نقطة الوصول: كل المسيرة تتجه نحو تحقيق أعمق فأعمق للإيمان والرجاء والمحبة. والسلم كله هو حاضر في هذه الفضائل”.