سيرة إيليا النبيّ

انقر هنا للتكبير

وردت في سفر الملوك الاول الاصحاح 17 الى 22 وسفر الملوك الثاني الاصحاح الاول.

بعد ايام سليمان الملك انشقت المملكة الى اثنين واسرائيل. وعبد الملوك آلهة الوثنيين واقاموا لها مذابح وعيّنوا كهنة وتبعهم الشعب. وقام انبياء يعظون الملوك والشعب ليرجعوا عن الوثنية ويعبدوا الله. هكذا كانت الحال في ايام ايليا النبي أثناء مُلك أحاب ( 875-853 ق. م ) الذي تزوج إيزابيل بنت ملك صيدا وراح يعبد البعل. قام ايليا النبي التشبي من تشبة جلعاد (قرب نهر الاردن) وشعاره” حي الرب الذي انا واقف امامه !” واجه الملك وقال له:” انه لا يكون في هذه السنين ندى ولا مطر الا بأمري “. وحلّ الجفاف بكل المملكة.

وكان كلام الرب الى ايليا ان امضِ من هنا وتوارَ شرقي الاردن. وهناك مكث ايليا تطعمه الغربان ويشرب من ماء النهر الى ان جفَّ. فكان اليه كلام الرب ان امضِ الى صرفند (القائمة حتى اليوم قرب صيدا). وهناك اقام عند امرأة ارملة فقيرة أطعمته آخر كعكة لديها فامتلأت جرة الدقيق وقارورة الزيت عندها ولم تفرغا. ولما مرض ابن الارملة الوحيد ومات صلّى ايليا الى الرب وأقام الغلام.

بعد ثلاث سنين كان كلام الرب الى ايليا ان امضِ واذهب الى أحاب فآتي بمطر على وجه الأرض. وكانت المجاعة شديدة في السامرة. ولما اتى ايليا الى أحاب بادره الملك قائلا: ” أأنت ايليا معكر صفو اسرائيل؟” فقال له:”لم اعكر صفو اسرائيل انا بل انت وبيت ابيك بترككم وصايا الرب وسيركم وراء البعل”. عندئذ قال ايليا: انا الآن وحدي بقيت نبيا للرب. وطلب ان يجتمع كل اسرائيل في جبل الكرمل مع انبياء البعل الأربع مئة والخمسين وأنبياء عشتروت الأربع مئة. وطلب ان يُقدم الوثنيون ذبيحة محرقة ويقوم هو ايضا ثورا ولا يضع نارا على المذبح, ثم يدعو الوثنيون باسم آلهتهم وهو يدعو باسم الرب والإله الذي يجيب بنار فهو الله. فأجاب كل الشعب قائلا: الكلام حسن. ففعلوا كما قال ايليا. واحترقت ذبيحة ايليا بنار من السماء دون ذبيحة كهنة البعل. فسقط الشعب على وجوههم وقالوا: ” الرب هو الإله ” وقبضوا على كهنة البعل فانزلهم ايليا الى نهر قيشون وذبحهم هناك.

وصعد ايليا الى رأس الكرمل وصلّى فسقط المطر. وأخبر أحاب زوجته ايزابيل بما حصل فارسلت الى ايليا تهدده فخاف وهرب الى البرية وجلس تحت شجرة والتمس الموت لنفسه وقال: ” حسبي الآن يا رب, فخذ نفسي, فاني لست خيرا من آبائي”. ثم اضّجع ونام. فاذا بملاك قد لمسه وقال له: قم فكل. فنظر فاذا عند رأسه رغيف وجرة ماء فأكل وشرب وسار اربعين يوما واربعين ليلة دون طعام الى جبل حوريب. ودخل مغارة هناك وبات فيها. فاذا بكلام الرب اليه يقول ما بالك ههنا يا ايليا؟ فقال:” اني غرت غيرة للرب اله القوات لان بني اسرائيل قد تركوا عهدك وحطّموا مذابحك وقتلوا انبياءك, وبقيت انا وحدي, وقد طلبوا نفسي ليأخذوها”. فقال الرب:” اخرج وقف على الجبل امام الرب”. عبرت ريح عظيمة ولم يكن الرب في الريح, وبعدها زلزال ولم يكن في الزلزال, ونار ولم يكن الرب في النار. وبعد النار صوت نسيم لطيف وكان الله في النسيم؛ فستر ايليا وجهه بردائه. وكلمّه الله وامره ان يذهب الى دمشق ويمسح اليشاع نبيا مكانه. ولما لقي اليشاع رمى اليه بردائه فتبعه اليشاع وصار يخدمه.

“حي هو الله الذي انا واقف امامه”

هذا كان شعار النبي ايليّا في حياته, لذلك بقي حيا في ضمير الشعب حتى ان كثيرين يرغبون في اطلاق اسمه على أبنائهم.

الترنيمة الكنسية تدعوه ” الملاك بالجسم, قاعدة الأنبياء وركنهم, السابق الثاني لحضور المسيح, ” الشاهد للحق حتى الأيام الخيرة, صوت الضمير الحي, المقاوم للظلم. حياته المتقشفة في الجبال والصحراء جعلته شفيعا للرهبان ولكل من يعترض في حياته على وقاحة العالم وفساده.

لقاؤه مع الرب تمّ لا في العاصفة, لا في الزلزلة ولا في النار بل في “صوت نسيم لطيف” هناك كان الرب (3 ملوك 19: 11 – 13).

لا يُشاهدُ الرب في “العجقة” لأن الضجة كثيرا ما تحجب الصوت, النداء الداخلي. هكذا يكون افتقاد الله بعد تجربة كبيرة تهزّنا تكاد تحطمنا. افتقاده يكون في اللطف والرحمة. لذلك عبادة الله في النهاية لا تتم في الاحتفالات الصاخبة ولا في الهياكل الفخمة ولا حتى في الشعائر الدينية الحبرية بل في “الروح والحق” حيث يُسمع صوت كلمة الله, صوت الله الحي المتجسد فينا.

لقد صبَّ نبي الله سخطه على أنبياء البعل وقتلهم. لا شك أن كل قتل عصيان لوصية الله “لا تقتل” ولكن ان كان لا بدّ من انفعال قوّة الغضب فينا فلتنزل على الشر واعوانه. وهذا الخشب الرطب, عودنا المغمّس بالشهوات والضعفات البشرية لا يُحرق الا بنار الحب الالهي الذي يطهّر, ينير ويُدخل الدفىء الى قلوبنا. (3 ملوك 18: 36 –38 ).

لقد اشتعل قلبه حبّا بالله، بالنار الالهية، فلم يعد ينتمي الى هذه الارض فارتفع بالجسد قائما مسبقا حيّا الى قرب الله في الوطن السماوي الحقيقي ( 4 ملوك 2: 11).

ولا ننسَ صلاته اذ يدربنا فعلا على الصلاة الحارة, الصلاة النقية الفاعلة, التي بها احتضن ابن أرملة صيدا الميت وصرخ الى الله ثلاثا وأحياه ( كما يُفعل رمزيا في الاسعاف الأولي للمُغمى عليهم) ناقلا بكل كيانه اليه الروح والقوة المُستمدّين من الله.(3 ملوك 17: 21).

وكذلك انزل المطر بعد جفاف دام طويلا وبعد صلاة حارة الى الله ” ساجدا الى الارض وجاعلا وجهه بين ركبتيه” ( 3 ملوك 18: 42).

وقد ذكرنا كيف انه بصلاته الى الله أنزل النار على الخشب الرطب والمحرقة فاحترق الكل.

نقلاً عن موقع “حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة”