الحضور المسيحي في الأراضي المقدسة

الموضوع الذي نتناوله يحمل عنوان “الحضور المسيحي في الاراضي المقدسة”. وهنا يبدأ اللبس والحاجة الى إيضاحات. ماذا نعني بالاراضي المقدسة؟ عن أية أرض مقدسة نتكلم؟ لبنان هو أرض مقدسة، وفيها فلسطينيون، ومن بينهم مسيحيون. والاردن أرض مقدسة وفيها فلسطينيون، ومن بينهم الكثير من المسيحيين. وايضاً، أراضي الـ48، كما يقال، أي اسرائيل، وهي ايضاً جزء من الاراضي المقدسة. وهنالك أخيراً، الفلسطينيون في الارض المحتلة ومناطق السلطة الفلسطينية، التي ندعوها الضفة الغربية، وفيها ايضاً عدد من المسيحيين. وهكذا نرى تعقيد الوضع الفلسطيني
بشكل عام، والوضع المسيحي بشكل خصوصي.

أتوقف فقط عند المسيحيين الفلسطينيين الذي يعيشون في المناطق المحتلة وفي مناطق السلطة الفلسطينية، التي أنا جزء منها. من ناحية عددية، يجري الحديث هنا عن خمسين ألف مسيحي في هذه المناطق، بما فيها القدس الشرقية بالطبع، التي نعتبرها جزءاً من المناطق المحتلة، وهي نسبة قليلة عددياً بالنسبة لمجمل تعداد الشعب الفلسطيني في تلك المناطق الذي يصل الى ثلاثة ملايين وستمئة ألف تقريباً، بما فيها قطاع غزة بالطبع، حيث يوجد قرابة ثلاثة آلاف مسيحي. يعيش معظم هؤلاء المسيحيين في المدن والقرى المحيطة بالقدس ورام الله وبيت لحم، مع العلم أنهم موجودون ايضاً حول مدينة نابلس وجنين، ولو بأعداد قليلة. أما بين بيت لحم وغزة، فوجودهم يكاد يكون معدوماً.

خبرة الماضي

عندما نذكر الحضور المسيحي في هذه المناطق الفلسطينية، الملاحظة الاولى التي تأتي على البال هي أن هذا الحضور جزء لا ينفصل عن الحضور المسيحي في العالم العربي، والمسيحية الفلسطينية جزء ينفصل عن المسيحية في العالم العربي، وفي المشرق العربي بشكل خصوصي. فالخبرة التاريخية التي خاضها المسيحيون الفلسطينيون هي وجه من أوجه خبرة المسيحيين في الشرق بشكل عام. ومن المعروف ان هذه الخبرة ترمي جذورها في عمق الزمن، منذ الايام الاولى من انتشار البشرى المسيحية في الشرق، التي تركت بصماتها على المسيحيين في الشرق الى اليوم وشكلت ملامحهم (من تعدد الكنائس المسيحية، الى التجسد الحضاري في الثقافات المتنوعة في الشرق، وصولاً الى التراثات المسيحية المختلفة في الشرق). ولكن الفترة التاريخية التي تهمنا، والتي كان لها التأثير المصيري والحاسم على كنائس الشرق، هي الفتح الاسلامي. في هذه الفترة التاريخية الجديدة، كما في الفترات التاريخية السابقة، تجلّت عبقرية المسيحيين في الشرق، وذلك باندماجهم في هذا الواقع الجديد بدل أن يظلوا متقوقعين على أنفسهم يجترون ذكريات الماضي. وقد تجلى هذا الانخراط في عدة أوجه، منها تبني اللغة العربية، ومن ثم المساهمة في الحضارة العربية الاسلامية عن طريق الترجمة ومن ثم عن طريق الانتاج الثقافي في مختلف أبواب المعرفة الانسانية، وصولاً الى تطوير تراث عربي مسيحي أصيل له ملامحه الخاصة به ضمن التراثات المسيحية المختلفة في الكنيسة الجامعة. وقد تجدد هذا الاندماج مرة أخرى في القرن التاسع عشر، إبان النهضة العربية، واليوم لا يزالون في خضم هذه التفاعلات ويبحثون عن صيغ جديدة للاندماج الحضاري وفق الظروف الحالية في مجتمعاتهم وفي العالم. المهم من كل ذلك هو بروز ما يمكن أن نسميه مسيحية العالم العربي، في لبنان وسوريا والعراق والاردن وفلسطين ومصر، وهي المسيحية التي عاشت هذه الخبرة عينها بشكل أو بآخر.

أما اذا تناولنا الخصوصية الفلسطينية ضمن هذه الخبرة العامة، قديماً وحديثاً، فيمكن أن نلخص هذه الخصوصية في النقاط الآتية:

– الارض المقدسة: مما لا شك فيه أن وجود المسيحيين الفلسطينيين في الارض المقدسة بالذات، يدمغهم بطابع خاص. إن وجودهم حول الاماكن المقدسة وتردادهم عليها والعيش منها، يجعلهم يتنفسون نعمة الاراضي المقدسة (القدس، بيت لحم، أريحا…).

– الاندماج المميز في البيئة العربية الفلسطينية: ما يميز المسيحيين الفلسطينيين، اذا ما قارناهم بمسيحيي الشرق بشكل عام، هو اندماجهم الصريح في البيئة العربية الفلسطينية. فهم يعرفون أنفسهم على أنهم عرب، فلسطينيون، مسيحيون، بالاضافة الى التعريفات الكنسية الاخرى. وهذا ما جعل أحد المستشرقين، جاك بيرك، يقول إن فلسطين هي أكثر المناطق العربية تعرباً، أنا كمسيحي، استلمت مع حليب أمي، هذه المواصفات التي تعرفني. فالمسيحي الفلسطيني لا يعيش أزمة هوية ولا يبحث عن تعريفات أخرى لذاته، كأن يقول إنه فينيقي مثلاً، أو اشوري، أو فرعوني وما شابه. وهذا ما يسهل الحضور المسيحي في البيئة الفلسطينية.

– في العصور الحديثة:

1- القضية الفلسطينية: مما لا شك فيه، أن العامل الرئيس في تحديد الحضور المسيحي في فلسطين في العصور الحديثة هو القضية الفلسطينية، وعلى أكثر من صعيد. فالمسيحيون – شأنهم شأن جميع أبناء الشعب الفلسطيني… تألموا، حيث شردوا من بيوتهم وقراهم ومدنهم، في الداخل أو نحو الخارج. والألم يجمع أبناء الشعب الواحد. والمسيحيون ناضلوا مع غيرهم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسيطيني أو لاسترجاع هذه الحقوق. والنضال يجمع. وهم اليوم يتقاسمون الآلام والآمال عينها انتظاراً لسلام عادل الذي زعزع النظام الكنسي (المنافي، الاغلاقات…) كما زعزع المجتمع الفلسطيني برمته. عدم استقرار سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي وحياتي… فالمسيحيون، أسوة بغيرهم، يتعرضون لضغوط هائلة من الاحتلال الاسرائيلي، لتطويع المجتمع الفلسطيني لأهدافه. ولكن عدم الاستقرار ايضاً يأتي من الوضع الداخلي للمجتمع الفلسطيني، لما يعاني فيه من تجاذبات واصطفافات وانقسامات، ولما يعاني منه ايضاً من اضطراب في أداء السلطة الفلسطينية، بسبب الاحتلال وبسبب سوء الادارة. وهذا كله يضع المسيحيين – أسوة بغيرهم – في حالة من الاضطراب والقلق والمخاوف، التي لا تساعد على تطوير صيغة حضور مستقرة ومنتظمة وسلسة.

2- الهجرة: إن موضوع الهجرة المسيحية ظاهرة أصبحت معروفة في جميع البلدان العربية، وتظهر بشكل خاص في فلسطين. وهنا لا بد من الملاحظة أن هذه الهجرة تطال الجميع، بسبب الاوضاع الاحتلالية الراهنة، وما ينجم عنها من عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، ولكنها تظهر على المسيحيين بشكل خاص لقلة عددهم. وهذه ظاهرة مقلقة، وهذا أقل ما يمكن أن يقال فيها. إن الهجرة هي شكل من أشكال الإلغاء لطرف اساسي من مكونات المجتمع الفلسطيني. وهذا الإلغاء يمكن أن يكون إلغاء ذاتياً، بمعنى أن الجماعة المسيحية تلغي وجودها وحضورها بنفسها، وذلك بأشكال عدة، منها الهجرة الداخلية. ونعني بالهجرة الداخلية العزوف عن الحياة العامة بسبب العقلية الأقلوية الراسخة في الشرق. تقول هذه العقلية: هذا العالم ليس لنا. وبالتالي ننعزل عن مجتمعاتنا لكي نلتف حول كنائسنا ومؤسساتنا وننكفئ على ذواتنا. وهذا ما تدعوه رسائل بطاركة الشرق بظاهرة الانعزال، وهي موجودة في المجتمع المسيحي الفلسطيني، ولكن بأحجام لا تدعو الى القلق. الشكل الآخر من الهجرة الداخلي، هو الذوبان، بحيث يرى المسيحي أن مسيحيته عبء عليه، وبالتالي يتخلى عنها ويصبح مسيحياً سابقاً. وهو بذلك يلتقي بمسلمين من هذا النوع، أصبحوا مسلمين سابقاً، فينضوون معاً في حركات علمانية يرون فيها خشبة الخلاص، وهذا الإلغاء الذاتي ايضاً يتمثل بشكل جذري بالهجرة نحو الخارج، حيث يرى المسيحي – شأنه شأن سائر مكونات الشعب الفلسطيني – أن لا مستقبل له ولأولاده في ظل هذه الظروف الصعبة.

ولكن هذا الإلغاء يأتي ايضاً من الخارج. والخارج أولاً هو الذهنية الصهيونية، التي تعمل على ترسيخ دولة يهودية لا يمكن أن تستوعب غيرها. وهذا ما يؤدي الى الضغط على كل الفئات وشرذمتها وصولاً الى هذه الغاية. ويمكن القول إن هذه الضغوط الخفية والحقيقية تتوجه الى المسيحيين بشكل خاص. فمن المعروف ان المكون المسيحي كان من أشد المعارضين للحركة الصهيونية في فلسطين. فالكثير من لجان التحقيق التي توالت على الساحة الفلسطينية منذ العشرينات كانت تذكر أن المسيحيين هم أشد المناوئين للمشروع الصهيوني.

ولهذا تعمل الممارسة الصهيونية على إضعاف العنصر المسيحي في فلسطين، ومحاولة تطويعه بكل السبل (الممتلكات المسيحية، التصاريح لرجال الاكليروس والرهبان والراهبات وغيرهم، قضايا الاقامة، الجدار العازل، تهويد القدس…)، مما يضعف المؤسسات المسيحية والكنسية ويحول دون تطوير عمل رعوي منتظم.

ويمكن، اخيراً، ان يأتي هذا الالغاء من بعض الحركات الاسلامية المتطرفة، التي ترى في المسيحيين عقبة لتطوير مشروعها، كما ترى هذه العقبة في المسلمين الذين لا يشاركونها الايديولوجية عينها. ويجب القول ان هذه الحركات محدودة الوجود جدا في المجتمع الفلسطيني، حيث ان التوجه العام في فلسطين هو التوجه الوسطي. ولكن هذه الفئات الصغيرة يمكن ان تثير القلق والمخاوف لدى المسيحيين. وفي هذا المجال، لا بد من الاشارة الى ان عددا متزايداً من المسلمين في فلسطين راحوا يدركون اهمية المكون المسيحي للمجتمع الفلسطيني، وبالتالي راحوا يطورون خطابا مفاده ان الهجرة المسيحية هي شأن فلسطيني عام وشأن اسلامي ايضا، لأنه يضعف المجتمع الفلسطيني برمته.

-3 تنامي الحركات الاسلامية: بالطبع ليس من حقي ان اقول للمسلمين كيف يجب ان ينظروا الى انفسهم. فهذا شأن اسلامي في الصميم. ولكن من حقي ان آخذ بعين الاعتبار انعكاس تنامي الحركات الاسلامية على العلاقات الاسلامية – المسيحية. وهنا لا بد من القول ان المسيحيين، في ظل هذه الظاهرة، يطرحون على انفسهم وعلى غيرهم اسئلة حقيقية حول موقعهم في المجتمع الفلسطيني. فهم ليسوا مسلمين، فما هو دورهم في مجتمع فلسطيني يتجه اكثر فأكثر نحو المكون الديني والمذهبي للهوية الفلسطينية؟ ولا بد من الاشارة هنا الى ان الخطاب الذي تتبناه بعض الاصوات الاسلامية يثير الذعر لدى المسيحيين، خاصة وان هذا الخطاب يترجم بشكل سلبي في الشارع الفلسطيني لجهة التعصب الديني. وهذا كله يشكل تحديا للحركات الاسلامية كي تقول كلمة واضحة في هذا الشأن لبناء مجتمع فلسطيني سليم.

-4 التحدي الرعوي: وأعني بهذا العنوان نوعية الايمان في مجتمعاتنا المسيحية في الشرق. وهو سؤال جوهري، ذلك ان الايمان هو تاريخ ايضا. والظروف التاريخية التي مر بها المسيحيون في القرون الاخيرة كان لها اثر بالغ على نوعية ايمانها. ارجو الا اخطىء ان قلت ان هذا الايمان تحول الى ظاهرة اجتماعية، بدل ان يكون خيارا ايمانياً شخصياً. وهذا ما يؤثر تأثيراً عميقا على الحضور المسيحي في الشرق. ان ايمانا سطحياً بيسوع المسيح يؤدي الى انتماء كنسي طائفي والى علاقة سلبية بالآخرين والى حضور سطحي في المجتمع، ولا اريد ان أطيل في وصف هذه التجليات للايمان. وعليه، فان احياء الايمان في مجتمعنا المسيحي اولوية مصيرية. في فلسطين، قامت الكنائس الكاثوليكية بخطوة جريئة في هذا المجال اذ احتفلت بسينودس ابرشي لجميع الكنائس الكاثوليكية في الارض المقدسة (الاردن، فلسطين، اسرائيل). وكانت احدى مراحل هذه المسيرة السينودسية التوجه الى الجماعة المسيحية لإحياء الايمان فيها حول محاور رئيسة هي: الايمان بالمسيح، الحياة المسيحية، الانتماء الى الكنيسة، العلاقة بالآخرين، الحضور في المجتمع. وقد توجهت الكنائس الكاثوليكية بهذه المواضيع الى القاعدة المسيحية وطرحت عليها هذه المواضيع للتفكير معا بها. وهنا يجب القول ان القاعدة المسيحية العريضة، وخاصة العلمانيين، استجابت بسخاء لهذه المبادرة، ولكن نجاحها كان محدودا لأن الدوائر الكنسية في الابرشيات والرعايا لم تع اهمية مثل هذه المبادرة. ومع ذلك، فقد أفرزت هذه المبادرة مجموعة لا بأس بها من العلمانيين الذين راحوا يفكرون في جميع هذه القضايا تفكيرا ايمانيا مما فتح الباب لآفاق جديدة من الحضور المسيحي في فلسطين.

-5 المسيحيون وسط المرايا المختلفة: مما لا شك فيه ان العيون متوجهة الى المسيحيين في الشرق، والى المسيحيين في فلسطين، خاصة في ظل الصراعات الدولية الراهنة. وهذا ما يضع المسيحيين وسط مرايا متعددة، وقد تكون، في بعض الاحيان، مرايا مشوهة، لأن كل معني ينظر الى المسيحيين من خلال رؤيته الخاصة او من خلال مصالحه الخاصة، ويريد ان يطوع الجماعة المسيحية لهذه الرؤية ولهذه المصالح. اكتفي هنا، على سبيل المثالي، بنظرة الاصولية المسيحية او الصهيونية المسيحية للمسيحيين الفلسطينيين، ومفادها ان المسيحيين الفلسطينيين يعيشون حالة من الاضطهاد من المسلمين. والهدف من كل ذلك هو خدمة المشروع الاصولي المسيحي او الصهيوني المسيحي، الذي يريد ان يقنع نفسه ويقنع الآخرين ويقنع المسيحيين الفلسطينيين بهذه الرؤية، خدمة لمصالحهم الذاتية التي تريد ان تصور الاسلام العدو الاول للانسانية اليوم، وبالتالي لا خلاص للمسيحيين الفلسطينيين الا بالمشروع الصهيوني. ونشاهد في فلسطين هجمة قوية لهذا المد الاصولي المسيحي، مما يضع الاضطراب والاحراج لدى المسيحيين الفلسطينيين. اننا نصغي لما يقوله الآخرون فينا؟ الم يحن الوقت أن نقول نحن بأنفسنا من نحن وماذا نريد ان نكون واين وكيف؟… اعتقد انها اسئلة هامة.

آفاق مستقبلية

اذكر باختصار شديد بعض هذه الآفاق المستقبلية التي تنطبق على المسيحيين في فلسطين، ولكنها تنسحب ايضا، على ما اعتقد على المسيحيين في الشرق بشكل عام:

-1 اعلان جديد للبشرى الانجيلية: اعتقد ان مسيحيي الشرق بحاجة الى اعلان جديد للبشرى والعقبات التي يتعرضون لها.

-2 نكون معا او لا نكون او التحدي المسكوني: التحدي الكبير الذي يواجهنا هو انقساماتنا. لا يمكن ان نطور في هذا الشرق حضوراً مسيحياً حقيقياً إلاّ اذا فكرنا معاً وصلينا معاً وعملنا معاً.

-3 مواصلة التفكير: ان الخبرة الطويلة التي عشناها في هذا الشرق يجب ان ترتفع الى العقل المفكر والى العقل المؤمن، لأن اية خبرة لا ترتفع الى مستوى التفكير المؤمن تبقى خبرة ضبابية غير واضحة المعالم. والفكر الذي اقصده هو التفكير المسيحي بشكل عام، وايضا التفكير اللاهوتي بشكل خاص. مطلوب منا ان نطور فكرا لاهوتيا ينبع من ظروف الآن وهنا، ومن خصوصياتنا كي يكون هذا الفكر اللاهوتي في خدمة الجماعة المسيحية في بلداننا يساعدها علة تحديد ذاتها انطلاقاً من رؤية ايمانية. وهنا اشير مرة اخرى الى اهمية رسائل بطاركة الشرق الكاثوليك التي تشكل رافداً خصباً من روافد هذا التفكير الذي تستحق منا ان ندرسه للبحث عن وسائل لوضعه موضع التنفيذ العملي. في فلسطين انتجنا شيئا من هذا النوع من خلال المخطط الرعوي العام، الذي يقدم خطة رعوية تستند الى رؤية لاهوتية والى رؤية رعوية والى روحانية عمل، والى وسائل عمل لوضع هذه الرؤية موضع التنفيذ. بالتفكير ننتقل من ردة الفعل الى الفعل. وكذلك ننتقل من حالة الدفاع المستمر الى حالة المبادرة الايجابية الجريئة.

-4 الانتماء والاصالة: اعتقد ان المسيحيين في الشرق محتارون بين الانتماء والاصالة. يعتقد البعض ان الاصالة تلغي الانتماء وان الانتماء يلغي الاصالة. ورسائل بطاركة الشرق الكاثوليك تدعو الى الجمع بين كليهما. لا انتماء بدون اصالة، ولا اصالة بغير انتماء. في هذا الاتجاه يجب ان نسير لكي نصل شيئا فشيئا الى صيغة حضور نرتاح لها وتكون خصبة للمجتمعات التي نعيش فيها.

خاتمة

المسيحيون في الشرق امامهم ورشة عمل عظيمة وهائلة. وهم قادرون عليها. انها كنائس الامل بامتياز. يكفينا تظلما وتشكيا، مما يجعلنا عبئا على انفسنا وعبئا على مجتمعاتنا، ويجعلنا شعرة في العجين. ما نحن مدعوون اليه هو ان نكون خميرة في العجين بدل ان نكون شعرة في العجين، ونكون شهودا بدل ان نكون مشهدا.

المونسنيور رفيق خوري

http://annahar.com/content.php?priority=1&table=adian&type=adian&day=Sun