لماذا الصوم

كثُر التساؤل عن الصوم في أيامنا الحاضرة. لماذا الصوم؟ وما معنى الصوم الذي تلزم به الكنيسة وما هي فائدته؟ وهل يا ترى هذا الصوم هو الصوم الذي يريده المسيح. في هذا العصر الذي وصل فيه الإنسان إلى القمر وإلى قمة الاختراعات، ووصل إلى سهولة الحياة والبحبوحة هل يجوز الكلام بعد عن الصوم والقطاعة؟ ويقول آخرون ما معنى الامتناع عن أكل اللحم في يوم معيَّن؛ وكل يوم نأكل اللحم وقد خلقه الله وأباح أكله للإنسان. قد تصل هذه التساؤلات والاعتراضات عند البعض إلى الاستهزاء والسخرية بتعليم الكنيسة وإلى الفتور الديني. رغم كل هذا لا يزال المسيح والكنيسة يشدّدان على ضرورة الصوم.

فالصوم هو عبور الإنسان من حالة إلى حالة أخرى. والعبور إنما هو انتصار على الحواجز والفواصل، وتخطّي الصعاب للوصول إلى الهدف. لذلك الصوم يدخل في إطار العطاء. فالإنسان يشعر، وقد سكنت فيه شهوة الطعام وسكتت معها أهواء أخرى كثيرة، انه بحاجة إلى العطاء. فيقتطع من أنانيته وكبريائه ومحته لنفسه ليعطي الآخرين. يقدر الإنسان الصائم أن يسامح وأن يعطي الغفران، فشهوة الحقد والتعالي قد هدأت؛ ويقدر أيضاً أن يتعاون مع الآخرين، فقد هدم حاجز الجفاء والاحتقار للآخرين والبُعد عنهم؛ ويقدر خصوصاً أن يحبّ، لأن عينه أصبحت صافية، خالية من الغشاء؛ وهكذا فُتح المجال له ليخدم الآخرين، وليضحّي في سبيلهم، وليعطيهم من وقته ومن ماله ومن قلبه؛ ويقدر أن يتخلى عن الخيرات المادية ليعطي الآخرين. وهذا هو عبور الإنسان إلى الله وإلى القريب. نفهم الإنجيل بعمق عندما نضع التعليم: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد..” بعد التعليم عن الصوم. فالمسيحي قد تهيّأ لهذا التجرّد عن الخيرات بالصوم. فهِمَت الكنيسة هذا المعنى فأمرت بالإحسان والعطف على المساكين في الصوم. نخطئ كثيراً في فهم معاني الصوم الحقيقية. “ما بالنا صمنا وأنت لم ترَ وعنّينا نفوسنا وأنت لم تعلم؟ انكم في يوم صومكم تجدون مرامَكم وتسخّرون جميع عَمَلِتكم. انكم للخصومة والمشاجرة تصومون… أهكذا يكون الصوم الذي آثرتُه. أليس هذا هو الصوم الذي آثرتُه… حلُّ قيود النفاق، وفكّ ربط النير، وإطلاق المضغوطين أحراراً، وكسر كل نير. أليس هو أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدخل البائسين المطرودين بيتك. وإذا رأيت العريان أن تكسوه، وأن لا تتوارى عن لحمك”.

هذا وقت للرب

الصوم في المعنى الحقيقي له هو وقت يخصصه الإنسان للرب . يعود الإنسان إلى أصالته. فهل هو إنسان يفكر ويعمل ويأكل ويشرب ويعيش ثم يموت فقط. أليس من أبعاد أسمى من هذه؟ أليس لله حصة في حياة الإنسان وعمله وتفكيره؟ فهذا هو وقت الرب. ونعي وقت الرجوع إلى الله. ربما هذا الله أصبح لبشر كثيرين الإله المجهول كما قال بولس الرسول في محفل آريوس باغُس: “هذا الإله المجهول.. به أنا أُبشرِّكم..” (أعمال 17/23). فيحتاج الإنسان إلى مراجعة حياة. تشدِّد الكنيسة في طقوسها وصلواتها على التغيير. فالصوم هو زمن تغيير. يغيِّر الإنسان في الصوم أفكاره وعواطفه وأسلوب حياته. فقد تراكم الغبار، وكثُرت العفونة، واستفحل الفساد فلا بدّ من تغيير. فتلزم الكنيسة الإنسان بصلاة أطول، وأمانة أشدّ، وتضحية أبعد مدى وأكثر تجسيداً .ولماذا؟

تريد أن توثِّق العلاقة بينه وبين الله وبينه وبين قريبه. وهذا يتمُّ بالكشف والبحث والتعمُّق في سرّ الله وسرّ الإنسان. وتتضح الرؤية فيتحرّر الإنسان من الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الغرور كما قال بولس ليلبس الإنسان الجديد الذي هو على مثال المسيح (أفسس 4/22). وهذه هي أعجوبة الصوم انها تغيِّر الإنسان البعيد عن الله فتجعله قريباً إليه وقريباً بالوقت نفسه إلى الإنسان. وتتمّ حينئذٍ أعجوبة المحبة.

يبدأ الصوم عندما يصفح الإنسان عن الزلاَّت، وعندما يترك الغير وشأنه وعندما ينسى الإساءة ويتغاضى عن جرح كرامته وهضم حقوقه. حينئذٍ يكون نقيّ القلب طاهر القصد فيستطيع أن يقف أمام الله. وهذا أول شرط للصوم. يتَّضح من هذا التشديد على الغفران أن الصوم هو عمل داخلي. فيطلب المسيح أن يتسامى الإنسان وأن يرتفع فوق الأنانية وأن يجتاز العقبات فيصل بالتدرّج وخطوة خطوة إلى الغفران. قبل أن يكون الصوم رياضة جسدية هو رياضة داخلية روحية؛ وقبل أن يكون تمرّناً على الإنقطاع عن الأكل والشرب هو تمرين داخلي يتناول النفس والقلب وما فيهمَا من أهواء وأميال ومشاعر وعواطف. لا يذكر السيّد السرقة والزنى وغيرها لأنها تزول بزوال العمل؛ أما عدم الغفران فهو رذيلة كالكبرياء لا تزول بسهولة. إن وصول الإنسان إلى الغفران هو الوصول إلى المحبة. والمحبة هي كل شيء في المسيحية. ومتى وجد الإنسان المحبة وجد الله المحبة؛ وهذا ما يعنيه قول الإنجيل: “إن غفرتم أنتم للناس زلاَّتهم.. يغفر أبوكم السماوي زلاَّتكم”. المحبة لا تقابلها إلاّ المحبة

_الصوم الحقيقي

_ المسيح يصرِّح بأن الصوم الذي يريده هو الصوم الداخلي.__ ويندّد بالمظاهر الخارجية، وبالأشخاص الذين يعيشون وينكّرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين. ملكوت الله قال الإنجيل هو في داخل الإنسان. يدخل الصوم في نظام الجهاد الذي يلتزم به الإنسان للحفاظ على علاقة بنوية وثيقة مع الله. ويدخل في نظام سيطرة الإنسان على أمياله حتى لا تمسّ هذه العلاقة مع الله، ولا تضعف ولا تنقطع. ويدخل أخيراً في نظام العذاب الذي يتحمّله الإنسان كل يوم لكي لا يبتعد عن الله بالخطيئة. إذا غابت هذه المعاني عن الصوم أصبح جنوناً ورثاءً وعملاً جسدياً صرفاً.

فالصوم والقطاعة هي قياس وميزان لقدرة الإنسان. فهو ممارسة تبدأ بالجسد وتنتهي بالروح؛ وتبدأ بالصغير لتصل إلى الشيء الكبير. الإنسان الذي يقدر على لجم شهوة الأكل والشرب، والذي يقدر أن يتغلّب على الرغبة في اختيار ألوان الطعام وأنواعه؛ والذي يقدر أن يضبط شهوة الطعام؛ يقدر أن ينتصر على شهواته وعواطفه الأخرى، ويقدر أن يثبّت ملكوت الله في داخله. وكما أن الرياضي والخطيب والموسيقي لا يصل إلى براعة ونجاح وتفوّق إلاّ بعد التغلّب على عوائق كثيرة وبعد ممارسة متكررة وتدرّج وجهاد هكذا الإنسان الساعي إلى قمم الروح. “أن تخلعوا عنكم الإنسان العتيق وتتجدّدوا في صميم أذهانكم وتلبسوا الإنسان الجديد في البِرّ والقداسة والحق”. (أفسس 4/22).

الصوم زمان توبة
ارتبط الصوم عند اليهود بالتوبة. ولذلك سُمِّيَ يوم الصوم يوم الغفران . هو لنكفِّر عن خطايانا “إن قلنا أن ليس فينا خطيئة فإنما نضلُّ أنفسنا وليس الحق فينا. وإن اعترفنا بخطاياناً فهو أمين عادل فيغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كل إثم”. (1 يو 1/8). وهو ليروِّض الإنسان نوازع الجسد فيستعيد في كيانه النظام: فالإنسان بالروح إنسان. ليتذكر ان الدرهم والرغيف ليسا كل شيء في الحياة الدنيا. ليتحرر من تكاثف الأنانية في آفاق ذاته فيبصر أن له، في الله وفي الإنسانية إخوة معوزين فيمدّ إليهم اليد ببسطة من معروف وإحسان. ليطلق القلب من رواسب الحقد ببسطة من مغفرة. ليتهيّأ بالتوبة ومزيد من الصلاة لاستقبال الفصح، عيد الغلبة الكبرى، لمن بموته وقيامته، غلب الموت وفجَّر ينابيع الحياة الخالدة.

فالصوم يتجه كما يقول إنجيل اليوم إلى الملكوت السماوي. إن حياة الإنسان ليست على هذه الأرض، فهي أرض منفى ومقرّ جهاد وميدان حرب لا هوادة فيها بين الله والشيطان. وفي الحقيقة ما هو الغنى والمال، وما هو المجد والسلطان، وما هو العلم والاختراع: “باطل الأباطيل وكل شيء باطل”. (جا 1/1). كنوز الأرض تبقى في الأرض؛ وليست هي الكنز الحقيقي والثابت للإنسان. الكنز الحقيقي هو الكنز الذي يذخره الإنسان في السماء. وحيث الكنز يتجه القلب: “حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضاً”. فلا بدّ للإنسان أن يميِّز بين الباقي والزائل، بين الثابت والمتغيِّر، وبين الوقتي والأبدي. ولا بدّ له أيضاً أن يعمل: “طوبى من يعلِّم ويعمل”. فالصوم الذي يرتكز على السيطرة على النفس ويعتمد على الانتصار على الشهوة يوضح عظمة الأعمال التي تخصّ الله.

الصيام: رحلة إلى الفصح المجيد

تضع الكنيسة قيامة المسيح محطة يسير إليها المؤمن برحلة روحية خاصة تمتد كل زمن الصوم الأربعيني المقدس. ذلك أن قيامة المسيح أعطت لكل مؤمن حياة جديدة: “أمس دُفنت معك واليوم أنهض معك بقيامتك”. فقيامة المسيح هي حدث لا يزال يحدث في كل إنسان لأن كل إنسان قَبِلَ نعمة الحياة الجديدة والقدرة لاقتبالها والعيش بموجبها. هذه نعمة عظيمة تغيِّر مواقف الإنسان تجاه كل شيء حتى تجاه الموت. لكن الإنسان كما قال الكتاب “هو شرير منذ حداثته”.. فيخطئ وينسى إحسان الله ويخون هذه الحياة الجديدة بالخطيئة. ويعود إلى حياته القديمة التافهة المظلمة، التي غاب عنها المسيح. هذا الفهم الصحيح للقيامة يوضح لنا معنى الصوم الحقيقي فهو وقت للرب لاكتشاف الحياة الجديدة وتذوّقها. إننا قد نخون هذه الحياة ونضيِّعها فتدعونا الكنيسة بواسطة الصوم والتوبة إلى الرجوع إليها. لأن النعمة هي نهاية كل قديم في حياة الإنسان وبداية الحياة الجديدة، وهي عبور دائم من هذا العالم إلى الملكوت الذي أعلن عنه المسيح. إن حياة التفاهة والخطيئة لا تتغيَّر بسهولة، ولهذا طلب الإنجيل جهداً وكفراً بالنفس. وهذا هو سبب اختيار الإنسان للصوم، فهو مدرسة يتعلّم فيها الإنسان كيف يتهيّئ لقبول المسيح وقبول حياة النعمة الجديدة.

في إحدى عظاته عن تقديس الصوم والحياة، قال القديس يوحنا الذهبي الفم:

“هَل أنت صائم؟؟؟ أعطني البرهان على صومك بأعمالك!!!
لا تصوِّم فمك فقط، ولكن صوِّم عينيك وأُذنَيك ورجليك ويديك وكل أعضاء جسدك أيضاً.
صوِّم يديك عن الأخذ والجشع وعن أعمال الشر …
صوِّم رجليك عن الجري وراء الذنوب والمعاصي …
صوِّم عينيك عن السرور برؤية كل ما هو شرير …
صوِّم أذنيك عم سماع كلام الشرّ والنميمة …
صوِّم فمك عن كلمات الكراهية والنقد والظلم …
جميل جداً أن تحرم نفسك عن أكل لحوم الطيور والحيوانات…
لكن الويل لمن يستمرّ بأكل لحم إخوته

من اروع ما يقوله بولس الرسول ” اميتوا اعضاءكم الارضية: الزنى, النجاسة, الاهواء, والشهوة الرديئة, والطمع الذي هو عبادة وثن والغضب, والسخط والخبث والتشهير , والكلام القبيح من افواهكم ولا يكذب بعضكم بعضا , اخلعوا الانسان القديم مع كل شهواته والبسوا الانسان الجديد الذي هو على صورة الله ” “البسوا احشاء الرحمة , واللطف, والتواضع, والوداعة, والصبر, احتماوا بعضكم بعضا وتسامحوا وفوق كل هذا البسوا المحبة التي هي رباط الكمال وليسد في قلوبكم سلام المسيح”

“اذا قلنا ان ليس فينا خطيئة فانما نظل انفسنا وليس الحق فينا ” 1يو1-:8 اذن كلنا خطأة معذبون بارواح شريرة , كلنا مرضى ونحتاج لدواء روحي يعطينا اياه المسيح من خلال الصوم والصلاة والصوم هو اكثر من الصوم الجسدي الخارجي انه تمرين الارادة والفكر والحواس والشعور زكل قوى النفس على رفض الاهواء والتجارب وعلى ممارسة اعمال الخير والمحبة صلواتنا في الصوم يجب ان تكون اكثر من حضور القداس والمدائح ورب القوات بل اكثر من ذلك ان تكون صلاتنا لقاء روحي صميم داخلي مع الله , لقاء يملآ نهارنا , افكارنا , ليلنا, لقاء يغمر قلبنا بالسعادة والهناء , لقاء ينقي ضميرنا من كل شر ويوقظه على قيم الصلاح والفضيلة

العلاج لامراضنا الروحية هو الصوم والصلاة

اذا صمت انعش صومك بالصلاة اللفظية والعقلية والتامل اذا صليت فادخل الى اعماق نفسك وظميرك واكتشف ضعفك وتواضع امام الله خاشعا ومستغفرا ونادما اذا تبت عائدا لله ومتصالحا مع قريبك فتكون قد بلغت غاية الصوم والصلاة وتطهرت بعمل الخير استعدادا للاحتفال بفصح الرب وقيامته بالصوم ابتعد عن الخطيئة والاهواء , وتقرب من الله بالصلاة وضبط اللسان والبتعاد عن الغضب والكذب وكل خطيئة اخرى لنحاول بالصوم ان لا يخرج غش من السنتنا ولا نشكك باخينا , ونسامح اخوتنا وهكذا يحق لنا ان نهتف” لتستقم صلاتي كالبخور امامك يا رب

من اقوال القديس بولس الى الرومانيين (11)

– لنخلع اعمال الظلمة ولا نسلك بالقصوف والسكر والخصام والحسد والشهوة والكذب والحقد والاستغلال 2- لنلبس اسلحة النور بحيث يكون فينا من الاخلاق والافكار والعواطف ما هو ايضا في المسيح يسوع, الذي نكتشف شخصيته واعماله من الكتاب المقدس 3- ” لا يزدر الذي ياكل من لا ياكل, ولا يدن الذي ياكل من ياكل, لان الله قد قبله” وهذا يعني: ان لا احد يهزأ بالاخر فلا يحتقر الصائم من لا يصوم ولا يسخر غير الصائم ممن يصوم لان المحبة هي قاعدة الصوم

اقوال عن الصوم

الصوم هو زمن الصفح والتكفير عن الخطايا, والجهاد من اجل تنقية النفس من الخطيئة
الصوم هو زمن الصفح عن الزلات والمساؤئ ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ابوكم السماوي زلاتكم
الصوم هو ازعاج الجسد بالحرمان من ظروريات الحياة اذا صمت فادهن راسك واغسل وجهك لئلا تظهر للناس صائما بل لابيك الذي في الخفية وهو يجازيك
الصوم هو زمن التقرب من الله بصلاة خاشعة كلها ندامة وانسحاق
الصوم هو زمن المبرة والزكاة والتصدق وعمل الخير
الصوم هو مشاركة للمعلم الالهي في الامه والتامل بكل ما قاساه في سبيل الانسان وخلاصه
الصوم ينقلنا من عالمنا المادي الزائل الى عالم الروح السماوي الباقي