عيد رفع الصليب

بعض أعيادنا جاءت بها أحداث تاريخية. واحد منها هذا العيد المؤسس على حدثين، اولهما اكتشاف القديسة هيلانة ام القديس قسطنطين الكبير خشبة الصليب في اورشليم. اذ ذاك قام الأسقف مكاريوس ورفعه بيديه وبارك الشعب به0 والحدث الثاني ان ملك الفرس (ايران) خسرو غزا اورشليم السنة الـ 614 (قبل دخول العرب) واستولى على صليب السيد وحمله الى عاصمته المدائن حيث بقي 14 عامًا فاستردّه ملك الروم هرقل بعد ان دحر خسرو.

احتفالا بهذين الحدثين جاء العيد وفيه يطوف الكهنة بالصليب موضوعًا على صينية ومحاطًا بالرياحين او بالزهور فيتقدم في نهاية الصلاة السَحَرية المؤمنون ويقبّلون الصليب ويعطيهم الكاهن زهرة ليوحي ان فرح خلاصنا جاء بهذا الصليب. ثم يقام القداس وترتّل في القسم الأول من القداس “خلص يا رب شعبك” وعبارات اخرى تتعلق بصلب السيد.

الإنجيل كما تلاحظون من يوحنا يحتوي على سر الآلام. اما المعاني الروحية التعليمية ففي الرسالة وهي مأخوذة من الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس ونستهلها بهذه الكلمات: “ان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة (او حماقة). واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله”. ويفسر بولس سبب كلامه هذا اذ يقول: “أليس الله قد جهل حكمة الحكماء” ويريد بهم فلاسفة اليونان الذين كانوا يعتقدون ان الفلسفة قائمة على رؤية العقل وحده وان الجمال هو جمال الجسد ولذا اقاموا التماثيل ليعبروا عن تناسق أجزائه فجمالاته. ومع هذا لم يعرف العالم الله بالحكمة (اي بالفلسفة) فارتضى الله ان يخلص بجهالة الكرازة (اي بما يبدو حماقة لليونانيين) الذين يخلصون. ثم يتابع: “لأن اليهود يسألون آية (اي أعجوبة) واليونانيين يطلبون حكمة” ونحن لم نبق مثل اليهود طالبين معجزات كمعجزة عبور البحر الأحمر فهذه كانت ظلا للآتي واكتفينا بمعجزة الخلاص التي أتانا بها موت يسوع. لذلك “نكرز بالمسيح شكا (اي عثرة او صدمة) لليهود وجهالة للأمم الوثنية”. فاليونانيون لا يفهمون كيف ان إلهًا متجسدا متألمًا يحمل حكمة جديدة وفهمًا جديدًا وانجيله ليس فيه فلسفة ولكنه تعليم عن الخلاص اي شيء من صميم الوجود، شيء من الوجود الجديد الذي أتى به المسيح. اما للذين اعتنقوا المسيحية من اليهود والأمم الوثنية “فالمسيح قوة الله وحكمة الله”. هو القوة الحقيقية في داخل القلب البشري وليست قوة بدن او سلاح. وهو الفهم الجديد المتركز على كلمة الله والنازل الى القلب ليحييه.

فالمؤمن بيسوع يفتخر بالصليب بمعنى انه يفتخر بالخلاص الذي ناله بيسوع المسيح. ولا مكانة عنده للقوة العالمية، للسلاح او المال وهو منتصر اذا أحب يسوع حتى الموت ونال موت الشهادة. وهو يعي ما قاله بولس: “قد صُلبت مع المسيح. فما انا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيّ”. انا أظهر مائتا اذا قتلوني، ولكن القتلة هم الأموات حقًا وانا حي بالغفران وبالقيامة التي ارجوها. حياتي انما أحياها “بالإيمان بابن الله الذي احبني وبذل نفسه عني” (غلاطية 2 :19 و20). انا اعيش بالمحبة التي يحبني المسيح بها.

ان صليبي الحقيقي اليومي هو في النفس اي بتنزهي عن المجد الباطل وعن الشهوات البهيمية. ويبقى لي الحق الذي يستقر فيّ دائمًا بكلمة يسوع. اجل اعلق صليبًا في عنقي منذ المعمودية وهذا يجب ان احافظ عليه ولكن ليذكرني بمعاني الخلاص ويوحي الي ان المسيح معي لينقذني من “الشر وشبه الشر” واعرف ان مسيحيتي ان أبيد الخطيئة وهكذا احقق فيّ ما قاله إشعياء عن المخلص: “كحَمَل سِيْقَ الى الذبح”. ذبحي اليوم ان اترك كل اغراء في الدنيا ليرتسم عليّ نور الرب يسوع.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)