ما هي الليتورجيا؟

مدخل عام
أوّلاً: كلمة الليتورجيا (Liturgiky) ومعناها

1- إنّ كلمة ليتورجيا Liturgiky: متأتية من كلمة (Liturgia)، المركّبة من (Laos) (Leitos) (شعب) و(Ergon) (عمل).

كانت هذه الكلمة تعني في اليونان القديم وخاصة في أثينا أي عمل عام أو خدمة عامة تعود بالفائدة على الشعب ولمصلحته. ومن ثمّ أخذت هذه النقطة مدلولاً دينياً فأخذت تعني أيّة عبادة شعبيّة أو خدمة للآلهة.

لقد أثبتت بعض أوراق البردى المصريّة القديمة أنّ كلمتَي (Liturgia) و (Liturgein) كانتا تُستَعمَلان في مصر بالمعنى الديني، للتعبير عن الخدم الحاصلة في معبد سيرابيون (أحد الآلهة المصريين).

2- لقد وردت في العهد القديم كلمة (Liturgia) التي هي ترجمة للكلمة العبرية بالمعنى الديني عانية أيّة خدمة دينيّة كانت تتمّ في خيمة العهد، أي هيكل سليمان (خر 28 – 30).

3- أمّا في العهد الجديد، فكلمة (Liturgein) – (Liturgos)- (Liturgia): قد وردت بمعنى أوسع ممّا سبق وذكرنا، فهي ترد أوّلاً معبّرة عن الخدم الدينيّة اليهوديّة (لو 1: 23)[1] و (عب 10: 11)[2]. كما ترد عانية عمل المسيح الخلاصي الذي سبق وعبّر عنه برموز في العهد القديم (عب 8: 2 – 6).

وهوذا الرسول بولس يستعمل كلمة ليتورجيا قاصداً أيّ عمل رسولي أو خدمة روحيّة (فيليبي 2: 17)[3]، وكذلك أيّ عمل محبّة ورأفة مسيحيّة (رومية 15: 27، 2 كور 9: 12، فيل 2: 25 و 30)[4]. كما يدعو نفسه خادماً (Liturgos) ليسوع المسيح في الأمم (رو 15: 16): “لأكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأمم…”.

وقد استعملت كلمة ليتورجيا في العهد الجديد بالمعنى المحصور أيضاً، وذلك بقصد التعبير عن العبادة المسيحية، وبشكل خاص الإقخارستيا الإلهيّة (أع 13: 2): “وبينما هم يخدمون الربّ ويصومون قال الروح القدس افرزوا إليّ برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه”.

4- لقد استعملت كلمة ليتورجيا في لغة الكنيسة الشرقية. استعملها الآباء القدّيسون أو الكتّاب المسيحيّون، للتعبير عن العبادة المسيحيّة، وبشكل خاص عن الطقس الكنسيّ الأساسي ألا وهو سرّ الافخارستيا.

العبادة، الليتورجية

الافخارستيا،

5- أمّا في الغرب، فقد وردت كلمات أخرى كثيرة ومتنوّعة للتعبير عن العبادة الإلهيّة، وكان أهمّها:

(1) Missa[5] للتعبير عن الافخارستيا الإلهية.

(2) Ritus للتعبير عن العبادة المسيحيّة بشكل عام.

لقد دخلت كلمة ليتورجيا إلى الغرب بتأثير النصوص اليونانية البيزنطية، لكن سرعان ما ساد استعمالها في الغرب، ككلمة لاتينية، منذ القرن السابع عشر، أمّا بمعناها الواسع للتعبير عن العبادة بشكل عام، أو بالمعنى المحصور معبّرة عن الافخارستيا الإلهية.

6- وهكذا نستطيع أن نحدّد المعنى اللاهوتي لكلمة “ليتورجية” بأنّها ذاك العمل الديني الذي بواسطته يعرف الإنسان الله سيّده، ويقدّم له الإكرام الواجب والسجود الملائم، ويشكره على كلّ إحساناته، ويطلب منه رحمته. إنّها توحّد إذاً مع كلمة “العبادة”.

وهناك المعنى المحصور لكلمة ليتورجية الذي يعني الإفخارستيا الإلهية.

7- لقد دخلت الكلمة v “Theologia Liturgia” (اللاهوت الليتورجي) إلى علم اللاهوت، في أواسط القرن الثامن عشر في الغرب. ومن ثمّ انتشرت وسادت شرقاً وغرباً معاً.

إنّ المصطلح “العلم الليتورجي”، (Liturgiky)، يعني ذاك الفرع من اللاهوت المتعلّق بالعبادة وكلّ ما يختصّ بها من صلوات يوميّة وأسرار إلهيّة وخدم، ويدرس تاريخها ونشأتها وتطوّرها وكلّ ما يتعلّق بها من ملابس ومكان وزمان… إلخ.

ثانياً: محتوى الليتورجيا

الليتورجيا هي الفرع من علم اللاهوت العملي[6] الذي يبحث في العبادة المسيحية وكلّ ما يختصّ بها، أي انّه علم أو لاهوت العبادة المسيحيّة.

إنّه لاهوت الصلاة الجماعيّة الصائرة ضمن ترتيب محدّد في الكنيسة وهو يهتمّ أيضاً بشكل ثانوي بالصلاة الفردية.

وهكذا فإنّ هذا الفرع يبحث في:

(1) – تاريخ العبادة الإلهيّة: أي الطقوس الكنسيّة (بما فيها من خدم وأسرار) كما هي اليوم: مصدرها، نشأتها، تطوّرها وتاريخ كلّ منها. أضف إلى ذلك الأشكال الليتورجيّة الموجودة اليوم أو التي كانت في القديم.

(2) – مضمون العبادة الإلهية: معنى ولاهوت العبادة الإلهيّة بشكل عام، وكذلك تفسير وشرح لاهوت كلّ خدمة وكلّ عمل ليتورجي بتفصيل. (التفسير العقائدي للعبادة الإلهيّة).

(3) – الترتيب الذي عليه تجري الخدم الإلهيّة والأسرار، التيبيكون.

(4) – المكان الذي تتمّ فيه الخدم والأسرار المسيحيّة، أي الكنيسة، نشأة المعبد المسيحي، تطوّره، أشكاله، تزيّنه، رسمه، وما فيه من رموز.

(5) – الأدوات التي تستعمل في العبادة الإلهيّة، الأواني المقدّسة، الأغطية، الملابس الكهنوتيّة، الكتب الليتورجيّة… إلخ.

(6) – الأوقات والأزمنة التي تتمّ فيها الأفخارستيا الإلهيّة والخدم المقدّسة والأعياد.

(7) – المشاكل الرعائيّة المطروحة من جرّاء العبادة الإلهيّة.

ثالثاً: الليتورجية وعلاقتها بالفروع اللاهوتيّة الأخرى

إنّ الفروع اللاهوتيّة جميعها، بالرغم من تقسيمها وتصنيفها، تترابط مع بعضها البعض بشكل صميمي. ولا يمكننا القول بأنّ هذا الفرع اللاهوتيّ أكثر أهميّة من الفرع الآخر، إذ إنّ أصل كلّ فرع يعود إلى صميم حياة الكنيسة وخبرتها. وهكذا، فكلّ فرع يقوم مع الفرع الآخر ويكمّله.

والليتورجية، كفرع من اللاهوت، ذات صلة بالفروع اللاهوتيّة الأخرى، إمّا بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.

1- إنّها كفرع من اللاهوت العملي، ترتبط صميماً بالدروس الأخرى المعطاة في هذا القسم، أي:

أ- بالوعظ، طالما أن العظة هي أحد عناصر الاجتماع الليتورجي وخاصة الافخارستيا. إنّ الوعظ يتمّ ضمن أطر ليتورجية، ينمو ويتشكّل ضمن العبادة الإلهيّة. كما أنّه يصبو إليها، ويهدف إلى اشتراك المؤمنين أكثر فأكثر فيها.

ب- بالتربية المسيحيّة، لأنّ بالتربية المسيحيّة يتعلّم المؤمنون طرق العبادة ووسائلها ومعانيها.

ج- بالرعائيات، لأنّ القسم الأساسيّ من عمل الراعي هو إتمام الطقوس والخدم الإلهيّة بهدف تقديس شعب الله. ولأنّ كلّ نشاط الكنيسة يهدف إلى قيادة المؤمنين للالتصاق أكثر فأكثر في حياة الكنيسة الأسراريّة الليتورجيّة، بالتالي الاشتراك في حياة المسيح والعيش له.

د- بالقانون الكنسيّ، لأنّ الكثير من قوانين المجامع المحليّة والمسكونيّة ومن قوانين الآباء القدّيسين يتعلّق بالعبادة الإلهيّة، وينظم العديد من الأمور المتعلّقة بسيرها وطريقة إتمامها واشتراك المؤمنين فيها.

2- إنّ الليتورجيا ذات صلة وثيقة بالقسم التفسيريّ، طالما أنّ جذور الخدم والحياة الليتورجيّة تعود إلى الكتاب المقدّس. ولا ننسى أنّ مقاطع كتابيّة كثيرة تستعمل كقراءات وتسابيح وأناشيد في خدم ليتورجيّة مختلفة، وإنّ هذه المقاطع تؤثّر بطرق مختلفة على تأليف الأفاشين والتسابيح. وبشكل عام، نستطيع القول إنّ هذه المقاطع الكتابيّة تؤثّر في كلّ شكل من أشكال الحياة الليتورجيّة الكنسيّة.

3- إنّ الليتورجيا لا تنفصل عن القسم العقائدي، إذ إنّ الحياة الليتورجيّة تقوم على مفهوم العقيدة المسيحيّة، وكذلك فإنّ النصوص الليتورجيّة تشكّل مصدراً أساسياً لدراسة الإيمان والعقيدة المسيحيّة.

4- تتّصل الليتورجيا بشكل خاص بالقسم التاريخيّ، طالما أنّ هذا القسم يعرض بشكل تاريخيّ، وإن كان موجزاً، نشأة أشكال العبادة الإلهيّة والنصوص الليتورجيّة وتطوّرها، ولا ننسى أنّ كتابات الآباء والمؤلّفين الكنسيّين تؤلّف مصدراً أساسياً لدراسة الليتورجية.

أخيراً علينا أن نذكر أنّ الليتورجيا تتّصل بشكل خاص بالفنّ البيزنطيّ، أي علم الفنّ المسيحيّ وتطوّره، كذلك بعلم مقارنة الأديان، حيث تتعرّف من خلاله على عبادات الشعوب غير المسيحيّة والتي أثّرت وتأثّرت من بعيد أو قريب بالعبادة المسيحيّة، وإنّ علم النفس أيضاً يساعدنا على فهم روح العبادة الإلهيّة ومضمونها.

رابعاً: فوائد الليتورجيا

تتبيّن لنا، كما سبق، أهميّة الليتورجيا. من خلالها نتعلّم عمق الخدم الإلهيّة الصائرة في كنيستنا وسموّها، ونمتلىء فرحاً وقوّة عندما نعلم أنّ آباءنا وقدّيسينا هكذا تعبّدوا، فنكتشف عندئذ أنّنا كلّنا بفم واحد وقلب واحد، مع الكنيسة جمعاء، نسجد لله.

– إنّ الليتورجيا تجعل الجميع، إكليريكيين وعلمانيين، يغوصون أكثر فأكثر في أعماق العبادة الإلهيّة، لأنّها تعلّم ما الذي يحدث بالضبط في العبادة الإلهيّة. لماذا يتمّ هذا الأمر أو ذاك ؟ كيف يجب أن يتمّم ؟ وما معنى كلّ حركة وخدمة ؟… إلخ. وبهذه الطريقة، فإنّ الإكليريكي يعرف بالتفصيل واجباته، فيؤدّي هذه الخدم بالشكل الأفضل، والملائم لما تحويه من معاني ومفاهيم، وليس بشكل آليّ. وأمّا العلمانيّ، فإنّه يشترك بشكل أفضل في الخدم الصائرة طالما أنّه يفهم الأمور الحاصلة أمامه.

تساعدنا الليتورجيا، من خلال معطياتها العلميّة والتاريخيّة، على معرفة ما هو الأمر الأساسيّ في العبادة الإلهيّة والذي لا غنى عنه، وما هو الشيء الثانويّ والشكليّ العابر… ما هو الأمر الثابت وغير القابل للتغيير، وما هو الشيء الذي يمكن أن يتبدّل. وهذا يساعدنا في معالجة الصعوبات والمشاكل الليتورجيّة والرعائيّة المطروحة في كنيستنا في أيامنا هذه، بالطبع إنّ الحلّ لن يكون إفرادياً، بل يجب أن ينال موافقة الكنيسة والسلطة المسؤولة.

وهكذا يظهر لنا أنّ هدف الليتورجيا مزدوج وهو:

1- نظريّ: معرفة وفهم مجال كنسيّ هام ألا وهو العبادة الذي احتلّ مكاناً مركزياً في الكنيسة ولعب دوراً أساسياً في حياتها.

2- عمليّ: الكشف عن المعنى الأصيل والعميق للخدم والأشكال الليتورجيّة الحاصلة، كي تستطيع الكنيسة بشكل صحيح أن تتمّم عبادتها، وبالتالي أن تواجه كلّ الصعوبات التي تعترضها في هذا المجال، وأن تجد لها الحلول المناسبة.

وتجدر بنا الملاحظة هنا أنّ فهم الليتورجيا بشكلها الصحيح والأصيل، وبالتالي نقلها للآخرين، لا يكمن في الدراسة النظريّة لها فقط بل في حياتنا، من خلال التصاقنا بالكنيسة سالكين في جدّة الحياة.

خامساً: مناهج الليتورجيا وأقسامها

إنّ لدراسة مواضيع الليتورجيا مناهج مختلفة، ويمكننا بشكل عام أن نميّز المناهج التالية:

1- المنهج النقديّ: ويبحث بطريقة نقديّة علميّة، وكذلك لغويّة، في النصوص والمصادر الليتورجيّة، كي نصل إلى تحاليل علميّة دقيقة.

2- المنهج التاريخيّ: يبحث في نشاط وتطوّر الليتورجيا وكلّ ما يختصّ بها من أسرار وما تتضمّن من أدوات وأشكال (أواني مقدّسة، ملابس). بناء على المعطيات التاريخيّة المحفوظة في كتابات قديمة ومصادر ليتورجيّة ونصوص… إلخ.

3- المنهج التفسيريّ: يبحث في الليتورجيا ليس بناءً على المعطيات العلميّة والتاريخيّة بل على مضمون الخدم وما تحتويه من معان ومفاهيم أنّه يحاول شرح وتفسير الأشكال الليتورجيّة المختلفة. إنّ الخدم الليتورجيّة وأشكالها المختلفة لها طابع حياتيّ روحانيّ، ونستطيع القول إنّها التعبير عن تلك المفاهيم الحياتيّة النابعة عن علاقتنا بالله والاتجاه نحوه.

وهكذا إنّ المنهج التفسيريّ هو الذي يكشف لنا عن المعنى الذي يكمن في هذه الأشكال المختلفة والخدم الإلهيّة.

4- المنهج العلميّ: ويتضمّن ترتيب الخدم وسيرها، كما يبحث في المشاكل الليتورجيّة المعاصرة وإيجاد الحلول المناسبة لها.

وإنّ هذه الدراسات المنهجيّة تحصل ضمن قسمين أساسيّين وهما[7]:

1- القسم العام: وهو الذي يبحث في العبادة الإلهيّة والأشكال الليتورجيّة بشكل عامّ في نشأتها وتطوّرها… إلخ. وكذلك في المعبد المسيحيّ وما يتضمّن في أوقات العبادة الإلهيّة… إلخ.

2- القسم الخاص: وفيه يتمّ بحث كلّ الخدم الإلهيّة، كلّ منها على حدة، من صلوات يوميّة وخدم وأسرار.

سادساً: تطوّر علم الليتورجيا كفرع لاهوتيّ

سنعرض في هذا الفصل تاريخ الليتورجيا كفرع لاهوتيّ، أي نشأة هذا العلم وتطوّره مع الزمن. وهذا سيعتمد بشكل خاص على دراسة المصادر الليتورجيّة التي سيأتي الكلام عنها لاحقاً.

يمكننا أن نقسم المراحل التي مرّ فيها هذا العلم على الشكل الآتي:

1- مرحلة العصور القديمة (حتّى القرن السادس):

إنّ الدراسات الليتورجيّة لم تظهر في الكنيسة الأولى، وذلك يعود أوّلاً إلى أنّ العبادة كانت مفهومة لدى عامة الشعب، كما أنّ الأعمال الليتورجيّة والخدم كانت في غاية البساطة بحيث لم تجد الكنيسة ضرورة لشرح خدمها وعبادتها الإلهيّة.

وقد لعب دوراً في فقر الليتورجية في القرون الأولى عداء اليهود والوثنيين للديانة الجديدة ومحاربتهم لها وبشكل خاص سرّ الشكر. أمام هذا وقفت الكنيسة موقف المتحفّظ آخذة بما قاله الربّ: “لا تعطوا الأقداس للكلاب ولا تطرحوا جواهركم قدّام الخنازير لءلاّ تدوسها بأرجلها وترد عليكم فتمزّقكم” (متى 7: 6)، هادفة ألاّ تنشر أسرارها المقدّسة وتجعلها معروفة لدى الجميع.

هناك، في القرن الثاني، وصف لبعض الخدم الليتورجيّة (يوستينوس الشهيد) لكن هذا كان لأهداف دفاعيّة فقط. أخذت الكنيسة تعتني منذ القرن الرابع بالتفاسير الليتورجيّة، وعلى سبيل المثال نذكر كيرللس الأورشليمي الذي تفوّه في العام 347 أو 348 بمواعظه التعليميّة (Mistagwgikai Katikhiseis) والتي يشرح فيها مفصّلاً سرّ المعموديّة والميرون والشكر. وكذلك الذهبي الفم ومواعظه التعليميّة التي تفوّه بها في أنطاكية.

ويمكننا أن نذكر في الغرب أمبروسيوس (+ 397) الذي كتب “حول الأسرار De Mysterüs” متوجّهاً فيه نحو المستنيرين حديثاً، وديونيسيوس الأريوباغي الذي كتب (Peri Ekklisiastikis Ierarkhias)

2- مرحلة العصور الوسيطة (القرن السابع – الخامس عشر):

لقد كتب العديد من الآباء في هذه المرحلة من القرون الوسيطة حول أمور ليتورجيّة، نذكر منهم: مكسيموس المعترف (+ 1663)، وبطريرك القسطنطينيّة جرمانوس (+ 733 أو + 740)، وبطريرك أورشليم صفرونيوس (+ 638)، وثيودوسيوس الستوديتي ونيقولا كاباسيلاس الذي كتب “الحياة في المسيح” و “تفسير القدّاس الإلهي”، كذلك سمعان التسالونيكي (+ 1429) الذي ترك لنا الكثير حول الأسرار والخدم الإلهية والمعبد المسيحي وكلّ ما يتضمّن وما إليه من حركات وإشارات تتمّ ضمن الخدم.

كما ظهر في هذه الحقبة في الغرب بعض الكتّاب الذين اهتمّوا بالليتورجيا.

3- العصور الحديثة (القرن السادس عشر – الثامن عشر):

لقد نمت الدراسات الليتورجيّة وتطوّرت في هذه المرحلة، واحتلّت اهتماماً كبيراً من النطاق الكنسي. كان للانشقاق البروتستانتي الدور الكبير في تنمية هذه الدراسات في الغرب، إذ اضطرّت الكنيسة الكاثوليكيّة على إثره أن تصدر دراسات عدّة مبيّنة فيها أهميّة الصلوات المحفوظة شارحة إيّاه لجماعة المؤمنين… وهكذا نجد في هذه القرون حركة ليتورجيّة كبيرة جداً، وظهر الكثير من الكتّاب الليتورجيين الذين اهتمّوا بنشر الخدم الليتورجيّة وشرحها ودراستها عقائدياً وتاريخياً.

كانت هذه الدراسات حول العبادة بشكل عام وكذلك حول الخدم الإلهيّة بشكل خاص، وقد تناولت الخدم الإلهيّة كما هي في الغرب وكذلك كما هي في الكنيسة الشرقية أيضاً.

نذكر على سبيل المثال: Goar (+ 1653) الذي أصدر في عام 1647 الأفخولوجي الشهيرSive rituale Graecorum – (Eukhologion) الذي يحتوي على الخدم الإلهيّة والأسرار بكاملها. تعتبر هذه الفترة أوج ازدهار الليتورجيا من ناحية الدراسات والبحوث التي ظهرت.

4- مرحلة القرنين التاسع عشر والعشرين:

نمت الدراسات الليتورجيّة بشكل واسع وأصبح لكلّ باب من أبواب الليتورجيا اختصاص خاص. وقد ظهرت دراسات ذات أهميّة بالغة في هذين القرنين وكذلك علماء ليتورجيون نذكر منهم على سبيل المثال:

1- برايتمان Brightman وكتابه الشهير Litturgies Eastern and Western, t. 1: Eastern Liturgies, Oxford, 1896.

2- العالمين كابرول Cabrol ولكبيرك Lecbercq اللذين أصدرا القاموس الليتورجيّ الشهير Dictionnaire d’archéologie chrétienne et de liturgie.

3- الراهب البندكتي بودوين Beauduin (1873 – 1960) الذي لعب دوراً كبيراً في نهضة الحركة الليتورجيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة.

4- الكسي Dmitriewskÿ الروسي الذي أصدر كتابه الشهير “وصف للمخطوطات الليتورجيّة” Opisanie liturgitseskich rukopisej المؤلّف من ثلاثة أجزاء:

الجزؤ الأوّل: تيبيكون، كييف 1895، الجزء الثاني: افخولوجي، كييف 1901، الجزء الثالث: تيبيكون، بترسبورغ 1917.

5- بنايوتيس ترامبلاّ الذي أصدر العديد من الكتب الليتورجيّة الهامة جداً، مثل “الأفخولوجي الصغير”، “الأشكال الليتورجيّة ما بين الشرق والغرب”… إلخ.

6- ديمتريوس موراييتيس الذي أصدر العديد من الكتب أيضاً “مدخل إلى العبادة المسيحيّة”، “مدخل إلى اللاهوت الليتورجيّ” والدراسات الليتورجيّة.

7- يوحنا فوندوليس (المرحوم) الأستاذ في جامعة تسالونيك.

8- الكسندر شميمان Schmemann (المرحوم) أستاذ في جامعة القديس فلاديمير في أميركا.

[1] “ولمّا كملت أيام خدمته مضى إلى بيته” زكريا.

[2] “وكلّ كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنتزع الخطيئة”.

[3] “لكنّي وإن كنت انسكب أيضاً على ذبيحة إيمانكم وخدمته أسرّ وأفرح معكم أجمعين”.

[4] “لأنّه من أجل عمل المسيح قارب الموت مخاطراً بنفسه (ابفروديتس) لكي يجبر نقصان خدمتكم لي” (فيل 2: 30).

[5] إنّ مصدر هذه الكلمة غير معروف بالضبط. لكن على الأغلب انها من missio (olimissio) الذي كان يستعمل لإطلاق الموعوظين خارج الكنيسة بعد انتهاء قدّاس الموعوظين كي يبقى المؤمنون وحدهم للاشتراك في السرّ الإلهيّ.

[6] قسم اللاهوت العملي هو القسم اللاهوتي الذي يتضمّن الدروس التالية: الليتورجية، الرعائيات، الحق الكنسي، الوعظ، التربية المسيحية؟؟؟

[7] هناك عدّة اقتراحات لتقسيم الليتورجيا كفرع لاهوتيّ، ولكن القسم الوارد أعلاه هو المفضّل، وقد اكتفينا بذكره فقط دون عرض الآراء الأخرى المختلفة.