الروح بهيئة حمامة

لماذا ظهر الروح القدس بشكل حمامة؟ الحمامة حيوان أليفٌ طاهر. وبما أن الروح القدس هو روح وداعةٍ، لذلك تراءى بشكل حمامة. ومن ناحية أخرى، هذا يذكرنا بقصةٍ تاريخيةً قديمة، عندما غمر الطوفان كل المسكونة، وكاد الجنس البشري أن يفنى، كانت الحمامة الطائر الذي بيَّن بوضوح نهاية الغضب الإلهي، حاملة في منقارها غصن زيتون، كخبرٍ مفرح يعلن السلام العام. كل ذلك كان رسماً لما سيحدث لاحقاً. كانت حالة الناس أبشع بكثير من حالتهم الحاضرة، وكانوا يستحقون عقاباً أكبر. فلكي لا تيأس أنت الآن، يذكِّرك هنا بتلك الحادثة القديمة: حين كان الرجاء مفقوداً، وُجد حلٌّ وإصلاحٌ. كان الطوفان في ذلك الوقت تأديباً، وأما الآن فقد جاء الحل عن طريق النعمة والعطية الجزيلة. لذلك ظهرت الحمامة، لا تحمل غصن زيتون، ولكنها تشير إلى الذي سيخلص من كلِّ الشدائد، وتبسط أمامنا رجواتٍ صالحة؛ لأنها لا تُخرج إنساناً من الفلك، بل تقود بظهوره المسكونة كلها إلى السماء. لا تحمل غصن زيتون بل البنوَّة للبشر كلهم.

الآن، وقد أدركت قيمة العطية، لا تحسب أن قيمة الروح ناقصةٌ، بسبب ظهوره بشكل حمامة. أسمع البعض يقول إنه كما يختلف الإنسان عن الحمامة كذلك يختلف المسيح عن الروح؛ إذ ظهر المسيح بصورة طبيعتنا الإنسانية، بينما ظهر الروح القدس بصورة حمامة. فبم نجيب عن كل ذلك؟ إن ابن الله اتَّخذ طبيعة الإنسان، بينما الروح القدس لم يأخذ طبيعة الحمامة. لذلك لم يقل الإنجيلي إن الروح ظهر “بطبيعة حمامة” بل قال “بشكل حمامة”. ولم يظهر الروح بعد ذلك بهذا الشكل، الحقيقةُ شيءٌ والتدبير شيءٌ، التنازل شيءٌ، والظهور العابر شيءٌ آخر