من قديسي الميلاد: المجوس
خلود القسوس- عمان

جئنا نؤدي له السجود

هؤلاء المجوس الذين اتوا إلى السيد المسيح من بلاد بعيدة جاؤوا إليه عن حب، ساروا المسافات الطويلة حتى وصلوا إليه ومن أجله دخلوا في بلاد غريبة عليهم تعرضوا فيها للموت والهلاك إذ كان ممكناً أن يغدر
بهم هيرودس الملك أو بعض أتباعه. كانوا مشتاقين إلى الرب تواقين لرؤية هذا المولود الذي دلهم عليه النجم، وقد ملك هذا الاشتياق كل قلوبهم فسعوا إليه لا يفكرون الا فيه ومن اجل هذا استحقوا أن يروه و يقدموا له عطاياهم عن حب وعن إيمان.

والحديث عن المجوس يذكرنا بظهورات مقدسة صاحبت حدث الميلاد وهو النجم الذي ظهر للمجوس وأرشدهم إلى مكان المذود المقدس، لم يكن نجماً عادياً كما شرح القديس يوحنا ذهبي الفم بل كان قوة إلهية أرشدتهم، ذلك أن مساره كان غير عادي

من الشرق إلى الغرب وكان يظهر حينها ويختفي حيناً أخر ويقف ثالث، كذلك أرشده لمكان المذود معناه انه هبط من علوه هبوطاً يوضح المكان وبخاصة لأن الكتاب يقول عنه انه وقف حيث كان الصبي هذا النجم كان ظهوراً مقدساً ولم يكن نجماً كباقي النجوم.

لا نعلم الكثير عن هؤلاء المجوس الحكماء، ولا نعرف من أين أتو؟، وتقول التقاليد أنهم كانوا يحتلون مراكز كبيرة وقدموا من موقع بابل القديمة، كيف عرفوا أن النجم يشير إلى المسيح؟؟ ربما كانوا من اليهود الذين بقوا في بابل بعد السبي وكانوا يعرفون نبؤات العهد القديم عن نبؤات مجيء المسيح، ربما كانوا شرقيين يشتغلون بالتنجيم وقد درسوا المخطوطات القديمة من أنحاء العالم. ولأن السبي اليهودي قد حدث قبل ذلك بمئات السنين فربما كان بين أيديهم نسخ من العهد القديم، ربما كانت وصلتهم رسالة خاصة من الله قادتهم إلى المسيح ويقول بعض العلماء انه كل واحد منهم جاء من بلد مختلف، وكان العالم بأسره جاء ساجداً أمام الرب يسوع وقد اعترف هؤلاء الرجال الذين جاؤوا من بعيد، أن يسوع هو المسيح بينما أنكره اغلب شعب بني إسرائيل المختار.

ويصور البشير متى يسوع ملكاً على كل العالم وليس على اليهودية فقط وقد قطع المجوس آلاف الأميال ليشاهدوا ملك اليهود وأخيراً عندما رأوه فرحوا وعبدوا وقدموا له هداياهم، وكم يختلف هذا الاتجاه عن الاتجاه الذي يتخذه الناس، عادة في هذه الأيام، فنحن ننتظر أن يأتي الله باحثاً عنا، معلناً ذاته لنا، مبرهناً على هويته، ثم يقدم لنا الهدايا، ولكن الحكماء بيننا لا يزالون يطلبون الرب يسوع ويتعبدون له، لا لأجل ما يحصلون عليه منه، بل لأجل شخصه.

وقدموا له عطاياهم عن حب وعن إيمان، قد قدموا للسيد ذهباً ولباناً ومراً، وكان الذهب يرمز إلى السيد المسيح كملك، واللبان يرمز إليه ككاهن، وكان المر يرمز إلى الآمه من اجلنا، وقد قدم المجوس تلك الهدايا الثمنه لأنها الهدايا التي تليق بملك المستقبل، كيف استطاعوا أن يقدموا للرب هدايا تحمل كل من هذه الرموز؟؟ لعلهم كانوا مسوقين في ذلك بالروح القدس ولعلهم صاروا فيما بعد شهوداً للمسيح في بلادهم وحملوا اسمه كأول من آمن به من الأمم وسجدوا له.

سرعان ما وصلت أخبار هؤلاء المجوس إلى آذان هيرودس الملك فأدخلهم فوراً إلى حضرته ليستطيع فهم حقيقة الأمر الذي أزعج نفسه، لكن القصر الذي تنجس بالشر والخلاعة لا يمكن أن يحل فيه رب الطهارة ونبع القداسة، والقصر الذي تدنس بدماء الأبرياء وصراخ المظالم لا يدخل إليه رب التضحية وصانع الفداء، بل أن القصر الذي تأسس على الكبرياء والشهوات لا يوجد فيه مكان لرب الوداعة وإنكار الذات، لا بل أن العرش الذي يجلس عليه رجل الغش والخداع كان خالياً بكل تأكيد من نبع الحب والاتضاع.

لذلك كان عجيباً ولاشك من أولئك المجوس أن لا يبهرهم هيرودس الملك بأمجاده ولا يفشلهم بمكره وخداعه، كان عجيباً أيضاً أن اليأس لم ينشب اظفاره في قلوبهم رغم أنهم رأوا أفعالهم وقد بدأت تنهار وسماءهم قد تلبدت بالغيوم، فإن لم يوجد الملك الموعود في قصر الملوك فأين يوجد؟؟

لكنهم في حيرتهم وتشتت أفكارهم أذا بهم يسمعون صوتاً يقول لهم إلى بيت لحم لأنه مكتوب “وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي”، أمور تبدو كما كانت متناقضة فما بيت لحم هذه القرية الرابضة في بطن الوادي إزاء أورشليم العاصمة المدينة العظيمة وهيكلها الرائع وقصورها لذلك خرج المجوس من لدن هيرودس الملك وقد ظللتهم سحابه قاتمة، وارتسمت على وجوههم كآبة ظاهرة لكن النجم كان لهم مرشداً إلى أن حطوا رحالهم أمام ذلك الخان حيث استقر النجم.

وهناك دخلوا في خشوع واحترام وما إن رأوا ذلك الوجه الصبوح حتى خروا على الأرض ساجدين وجثوا أمام ذلك المولود الجليل خاشعين وجلسوا عند قدميه عابدين ورفعوا أمامه قلوبهم شاكرين هذا التنازل الإلهي العجيب ومع أن علماء الفلك اليونان وأتقياء إسرائيل كانوا يتوقعون في شوق وينتظرون في لهفة إعلانا جديداً من الالهه إلا أنهم ما كانوا ينتظرون أن يحل الله بينهم متجسداً ولا أن يتنازل الإله إليهم متأنساً إذ عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، في النهاية هل يقودك النجم مثل المجوس؟؟ وهل تسجد معهم وتقدم ذهباً ولباناً ومراً؟؟

أن لم تستطع أن تقدم كل هذا على الأقل قدم شيئاً، أي شيء! قدم ما تستطيعه، قل له في هذا اليوم أنت يا رب قدمت من اجلي كل شيء ولم تدعني معوزاً شيئاً، من اجلي أخليت ذلك، وقدمت هذه الذات على الصليب من اجلي، وأعطيتني حباً كاملاً، وأعطيتني جسدك ودمك، وأقمت عهداً بيني وبينك، فيه قدمت لي الخلاص مجاناً. على أن أثمن ما تقدمه هو قلبك فكثيرون يقدمون للرب عطايا هي من خارج أنفسهم بينما نفوسهم ليست له أما الرب فيقول لكل من هؤلاء في سفر الأمثال: “يا بني أعطني قلبك”.

قلبك هو الذهب واللبان والمر وهو منبع العواطف كلها وكل عطية ليست من قلبك أو لم يشترك فيها قلبك ليست هي مقبولة أمام الله، اذاً قدم من قلبك ما تستطيعه مهما كان قليلاً ما دمت تقدم في حب.

ملاحظة: (حسب الكنيسة الأرثوذكسية) أن هدايا المجوس التي قدمت للسيد المسيح محفوظة للآن في جبل آثوس في دير القديس بولس وهي تتكون من 28 قطعة. وكذلك أسماء المجوس هي: هورميزيدا وهو ملك فارس، يازدبيقادر وهو ملك سبأ، بيرو زاد وهو ملك شيبا

kholood_gsouse@yahoo.com

GMT ص 06:47 04 كانون الأول 2008

http://www.abouna.org/Details.aspx?id=1638&tp=5