دخول السيّد إلى الهيكل – تقدمة يسوع إلى الهيكل

ينفرد الإنجيلي لوقا بذكر تقدمة يسوع إلى الهيكل وهو ما تسميه كنيستنا “دخول السيد إلى الهيكل”.

يأتي هذا في سياق انفراد القديس لوقا بذكر أحداث عدة حصلت قبل قب ً لا يذكر، دون غيره من الإنجيليين، ختانة الرب عند تمام يومه الثامن في آية وحيدة (لو ٢: ٢١ ). ويندرج الحدثان ضمن إطار تشديد لوقا على طاعة مريم ويوسف والطفل يسوع الشريعة.

تحتفل الكنيسة بدخول الرب إلى الهيكل حسب تسلسل الأحداث الزمني يوماً على ولادة الطفل الإله. لقد كان إتمام هذه الشريعة واجباً بحسب اليهودية كما يقول الانجيلي: “ولما تمت أيام تطهيرها (أي تطهير مريم) حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدّموه للرب” ( ٢:٢٢).

ويتابع القديس لوقا أن متطلبات هذا الأمر كانت “كما هو مكتوب في ناموس الرب إن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب” ( ٢:٢٣ ). هذا الطقس مذكور في سفر الخروج ( ١٣ :٢) الذي أمر بأن يتم هذا عقب خروج العبرانيين من مصر كدليل على خضوعهم لله. وقد أمر الرب أن يكون مترافقاً مع تقديم ذبيحة كما قيل في ناموس الرب “زوج يمام أو فرخي حمام” (لو ٢:٢٤).

إن تكريس كل ذكر بكراً لله هو التذكار الدائم للعبور القديم الذي أتمه العبرانيون من العبودية في مصر إلى الحرية في أرض كنعان. وتفسير الأمر يعود إلى خلفيته التاريخية. فقد أنزل ملاك الرب عقاباً هائ ً لا بالمصريين قضى بموت كل بكر من كل عائلة. لذا، وفداء عن أبكار العبرانيين، قامت كل عائلة بذبح حمل عمره سنة واحدة ورش دمه على باب البيت لكي، إذا ما مرَّ الملاك، يحفظ ذلك البيت. وعندما أعطى الله موسى الارشادات بخصوص الفصح (العبور)، أمره بأن يكرّس كل ذكر بكراً لله كتذكار لهذا العبور، على أن يقدّم عوضاً عنه حيوانات هي أبكار بطون أمهاتها عربون شكر الله على ما صنع (راجع سفر الخروج ١٣:١٣-١١).

إن الكنيسة تعطي المغزى العميق لهذا الحدث في صلاة سَحَر العيد عندما تقول: “إن المولود من الآب قبل كل الدهور، قد ظهر بكراً من فتاة عذراء، ماداً يديه إلى آدم”. فابن مريم البكر، الذي فتح المستودع البتولي لوالدة الإله الدائمة البتولية، يقدَّم حسب ما تأمر به الشريعة، وهو واضع الشريعة. هذا الأمر العجيب يثير الدهش في

ضمير الكنيسة التي تتعجب قائلة: “اقبل يا سمعان من سبق موسى فرآه في سيناء، تحت الغمام، واضعاً الشريعة، صائراً طف ً لا، خاضعاً للشريعة. هذا هو الناطق بالشريعة، هذا هو المرموز إليه بالأنبياء، الذي تجسّد من أجلنا وخّلص الإنسان، فله نسجد” (من صلاة غروب العيد). أما مركز سمعان في الحدث، فتشرحه الأيقونة التي تضعه مقابلاً للعذراء ويوسف، فيما يسوع يمتد ليصل في ذاته العهدين: القديم ممّثلاً بسمعان والجديد ممّثلاً بمريم ويوسف. هو العهدان بمعنى كامل فيما سمعان يمّثل توق العهد القديم إلى الفجر الذي يظهر النور البازغ من شمس العدل، المسيح الرب. سمعان هنا هو كموسى يعاين الرب وجهاً لوجه. إلا أن موسى رآه في الغمام واضطر إلى حجب وجهه من بهاء نوره، فيما سمعان أخذ الرب الإله في ذراعيه. لهذا، هناك تقليد يسمّي هذا العيد “اللقاء المقدس” الذي فيه كل منا مدعو إلى لقاء ابن الله.

إن سمعان الشيخ رأى بالروح ما سيحدث نتيجة لبزوغ هذا الفجر. فالذين استمروا على عماهم لم يستطيعوا قبول المسيح المخّلص، والذين “أبصروا” هذا ارتفعوا إلى مصاف المختارين الذين خلصوا بالإيمان به. هذا الانقاسم أدى بابن الله إلى الصلب وجعل نبوءة الشيخ لمريم تتحقق: “وقال لمريم أمه: إن هذا وُضع لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل ولعلامة ُتقاوَم. وأنتِ أيضاً يجوز في نفسك سيف، لُتعَلن أفكار من قلوب كثيرة” (لو ٢:٣٥-٣٤).

وهناك تقليد في الكنيسة يقول إن دور سمعان النبوي لم يكتمل أثناء حياته فنقل بشارته إلى المسجونين في الجحيم ليخبرهم بالخلاص العتيد أن يستعلن: “أنا ذاهب، صرخ سمعان، لأزف خبر البشارة إلى آدم وحواء القابعين في الجحيم” (من صلاة السَحَر).

أما حنَّة “النبية” فهي كسمعان معاينة للنور الإلهي وشاهدة على قيامته العتيدة. لذا يقول لوقا عنها إنها “وقفت تسبّح الرب وتكّلمت عنه مع جميع : المنتظرين فداء في أورشليم” (لو ٢:٣٨ )، تماماً كما فعلت مريم المجدلية وحاملات الطيب.

أما يوسف خطيب البتول، فنراه يقدّم زوجَي حمام كما أمر سفر اللاويين ( ١٢: ٦-٨) وهما في تفسير الكنيسة يمثلان جماعة العبرانيين والأمم الذين أصبحوا واحداً في المسيح. وعدم تقديم يوسف ومريم حملاً عمره سنة إلى الهيكل سببه فقرهما ولكن أيضاً كون يسوع هو الحمل الذي سيّذبح فداءً وخلاصاً للمؤمنين. هو حمل نقي بريء من العيب وفي الوقت ذاته الكاهن الأعظم الذي سيتقبّل الذبيحة. هو، كما نقول في الصلاة التي يتلوها الكاهن أثناء التسبيح الشاروبيمي “المقرِّب والمقرَّب، القابل والموزَّع” وهو، كما نرنم في سبت النور “يوافي ليُذبح ويُدفع طعاماً للمؤمنين”.

كل من يعاين مجد الرب في ضميره وقلبه وحياته يكون مستحقاً ليطلق زفرات سمعان الشيخ: “الآن أطلق عبدك أيها السيد، لأن عينيّ أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام كل الشعوب”.

اقوال للعلامة اوريجانّس: في دخول السيد الى الهيكل

احد اشهر الكتاب المسيحيين في العصور كافة. ولد في الاسكندرية عام 185، واستشهد على عهد الامبراطور داقيوس عام 253 في مدينة صور. له عدد كبير من المؤلفات في مختلف المواضيع اللاهوتية والروحية، ويعتبر من مؤسسي المدرسة الاسكندرية. هذه الاقوال هي مقتطفات من تفسيره لإنجيل لوقا.

تأملوا الاحداث التي هيأت سمعان لأن يستحق أن يحمل ابن الله. كان اولاً قد أكد له الروح القدس انه لا يرى الموت حتى يعاين مسيح الرب. ثم جاء الى الهيكل، ليس على سبيل الصدفة او العادة بل مدفوعا بروح الله. “إن جميع الذين ينقادون لروح الله هم ابناء الله”. وانت ايضا اذا أردت أن تحمل المسيح وتضمّّه الى صدرك ثم تخرج من السجن، اجتهد أن يكون الروح مرشدك وقائدا لك للدخول الى هيكل الرب. فاجتهد اذاً من كل قلبك بأن تتبع الروح لتنقاد الى هيكل الله.

انت الآن في هيكل الرب يسوع، أعني في كنيسته، هذا الهيكل المبني من حجارة حية (1 بطرس 2: 5). تستطيع أن تكون في هيكل الرب، عندما تؤهلك بصورة خاصة حياتك وسلوكك لأن تحمل اسم الكنيسة.

طالما انني ما زلت لا أحمل المسيح ولا أضمُّه بين ذراعي، فأنا سجين وعاجز عن الإفلات من قيودي. هل نريد أن ندخل الملكوت؟ فلنحمل يسوع بين يدينا ونضمَّه بذراعينا ونشدَّه الى قلبنا، اذ ذاك نستطيع، وقلبنا مفعم فرحا، أن نمضي حيث نشاء.