معموديّة المسيح

طروبارية العيد
باعتمادك يا رب في نهر الأردن ظهرت السجدة للثالوث لأن صوت الآب تقدم لك بالشهادة مسمياً إياك ابناً محبوباً والروح بهيئة حمامة يؤيد حقيقة الكلمة فيا من ظهرت وأنرت العالم يا رب المجد لك.

قنداق العيد
اليوم ظهرت للمسكونة يا رب، ونورك قد ارتسم علينا نحن الذين نسبحك بمعرفة قائلين: لقد أتيت وظهرت أيها النور الذي لا يدنى منه.

معمودية السيد المسيح – سنكسار
إنه في بدء السنة الثلاثين من عمر السيد المسيح أتى أمر الله إلى يوحنا السابق الذي كان مقيماً منذ نعومة أظفاره إلى ذلك الوقت في البرية أن يجيء إلى الكورة المحيطة بالأردن فجاء وأخذ يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا وقد كان ترباً ليسوع إذ لم يكن أكبر منه إلا بسته أشهر فجاء أنذاك يسوع أيضاً من الجليل إلى الأردن وطلب أن يعتمد فإعتمد السيد من العبد وقد حدثن حينئذٍ تلك المعجزات الغرائب من إنفتاح السموات ونزول الروح القدس بهيئة حمامة على المعتمد وسُمِعَ صوتٌ من السماء يشهد بأن المعتمد أنذاك في الأردن كإنسان هو إبن الله الحبيب فإتضح بذلك لآهوت السيد المسيح وسر الثالوث القدوس.

العماد يدعونا إلى السماء
للقديس يوحنا الذهبي الفم رئيس أساقفة القسطنطينية

لنتأمل يا إخوة الأعجوبة الكبرى التي جرت حالاً بعد عماد المخلَّص، والتي كانت مقُدمة لما كان سيحدُثُ فيما بعد. لأنَّ ما إنفتح إذ ذاك ليش الفردوس بل السماء فقط، “وعندما إعتمد يسوع لإنفتحت السماوات”. لما إنفتحت السماء عندما إعتمد يسوع المسيح؟ لكي يُفهمكم أن الأمر عينَه يحدُثُ بنوع غير منظور عند عمادكم، حيث يدعوكم الله إلى وطنكم السماوي ويًحَرّضكم على الاّ تتمسَّكوا كثيراً بالأرض. وإن تكن هذه الأعجوبة لا تحدث معكم بنوع منظور فلا تدعوا مع ذلك مجالاً للشك فيها.

لقد تعوَّد الله في تأسيس أسراره، أن يُظهر بعض أدلةً وخوارق خارجية، للنفوس الغشيمة التي لا تستطيع أن تفهم شيئاً من الروحانيات ولا تتأثر إلا بما يلامس الحواس، حتى إذا عُرضت علينا هذه الأخبار، بدون أن ترافقها هذا العجائب نقتبلها حالاً بطواعية الإيمان الراسخ. وهكذا عندما حلَّ الروح القدس على الرسل، سُمِعت ضجَّة عاصفة عنيفة. وظهرت ألسنةٌ من نار. ولم تحدث هذه الأعجوبة لأجل الرسل بل لليهود الحاضرين هنالك فإن كنا لا نرى الآن الأدلة عينها ومع ذلك ننال ذات النعم التي كانت تمثلها هذا الأدلة.

لماذا إعتمد السيد المسيح؟
للقديس يوحنا الذهبي الفم رئيس أساقفة القسطنطينية

“حينئذٍ أتى يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا، ليعتمد منه، فكان يوحنا يمانعه قائلاً: أنا المحتاج أنا أعتمدّ منك وأنت تأتي إليّ” (متى 13:3-14).

لقد جاء الرب يا إخوتي، يعتمد مع العبيد والقاضي مع المجرمين. غير أنَّ إتَّضاع الله هذا لا يجوز أن يُشغل بالكم، لأنه تعالى في تنازله العظيم يُظهرُ مجده العظيم. أتتعجبون من أن الذي شاء أن يمكث إشهراً في أحشاء العذراء، وأن يخرج منها لآبساً طبيعتنا، والذي شاء فيما بعد أن يحتمّل اللَّطم وعذاب الصليب وغيره مما تحمل حباً لنا، أن يشاء أيضاً تقبُّّل العماد، والإتضاع أمام عبده مختلطاً مع جمهور الخطأة؟ أما ما يجب أن يذهلنا فهو أن يكون الله قد تنازل وصار إنساناً، لأنه بعد هذا التنازل الأول لم يعد الباقي سوى نتيجة طبيعية. وهكذا لكي يبيّن لنا يوحنا المعمدان مقدار أتضاع إبن الله، كما سبق وقال: أنه لا يستحق أن يحل سير حذائه، وأنه الديّان العادل الذي يُحاسب كلاً بحسب أعماله، وأن يفيض نِعَم الروح القدس على كل الناس، حتى إذا رأيتموه أتياً على العماد لا ترون مهانة في هذا الإتضاع. وهذا عندما شاهده يوحنا المعمدان أمامه، أخذ يمانعه قائلاً: “أنا المحتاج إلى أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ”. وبما أن عماد السيد المسيح كان عماد التوبة، وكان يقضي على المعتمدين أن يعترفوا بخطاياهم، فلكي يستدرك يوحنا المعمدان ويبيّن لليهود أن السيد المسيد لم يأتِ إلى عماده على هذه النية دعاه أمام الشعب: “حمل الله” والمخلص الذي يمحو كل خطايا الجنس البشري، يقتضي بأول حجة أن يكون هو نفسه بريئاً من الخطأ. وبما أننا قد حُسبنا جديرين بتلك الأسرار العظيمة، فلنعش حياه أهلاً لها، حياة الكمال في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد والعزّة مع الآب والروح الآن وكل أوآن وإلى دهر الداهرين. آمين.

من أقول القديس يوحنا الذهبي الفم عن عيد الظهور الإلهي

الروح بهيئة حمامة
لماذا ظهر الروح القدس بشكل حمامة؟ الحمامة حيوان أليفٌ طاهر. وبما أن الروح القدس هو روح وداعةٍ، لذلك تراءى بشكل حمامة. ومن ناحية أخرى، هذا يذكرنا بقصةٍ تاريخيةً قديمة، عندما غمر الطوفان كل المسكونة، وكاد الجنس البشري أن يفنى، كانت الحمامة الطائر الذي بيَّن بوضوح نهاية الغضب الإلهي، حاملة في منقارها غصن زيتون، كخبرٍ مفرح يعلن السلام العام. كل ذلك كان رسماً لما سيحدث لاحقاً. كانت حالة الناس أبشع بكثير من حالتهم الحاضرة، وكانوا يستحقون عقاباً أكبر. فلكي لا تيأس أنت الآن، يذكِّرك هنا بتلك الحادثة القديمة: حين كان الرجاء مفقوداً، وُجد حلٌّ وإصلاحٌ. كان الطوفان في ذلك الوقت تأديباً، وأما الآن فقد جاء الحل عن طريق النعمة والعطية الجزيلة. لذلك ظهرت الحمامة، لا تحمل غصن زيتون، ولكنها تشير إلى الذي سيخلص من كلِّ الشدائد، وتبسط أمامنا رجواتٍ صالحة؛ لأنها لا تُخرج إنساناً من الفلك، بل تقود بظهوره المسكونة كلها إلى السماء. لا تحمل غصن زيتون بل البنوَّة للبشر كلهم.

الآن، وقد أدركت قيمة العطية، لا تحسب أن قيمة الروح ناقصةٌ، بسبب ظهوره بشكل حمامة. أسمع البعض يقول إنه كما يختلف الإنسان عن الحمامة كذلك يختلف المسيح عن الروح؛ إذ ظهر المسيح بصورة طبيعتنا الإنسانية، بينما ظهر الروح القدس بصورة حمامة. فبم نجيب عن كل ذلك؟ إن ابن الله اتَّخذ طبيعة الإنسان، بينما الروح القدس لم يأخذ طبيعة الحمامة. لذلك لم يقل الإنجيلي إن الروح ظهر “بطبيعة حمامة” بل قال “بشكل حمامة”. ولم يظهر الروح بعد ذلك بهذا الشكل، الحقيقةُ شيءٌ والتدبير شيءٌ، التنازل شيءٌ، والظهور العابر شيءٌ آخر.