الصفحة الرئيسية

المطران
إيماننا وعقيدتنا
جديد في الموقع

انتقال العذراء: ارتفاع مريم إلى كمال الحب الالهي

بقلم الأب الدكتور نبيل مونس – عن النهار

ما بال عقل الانسان في هجرة دائمة، لا يفهم لغة القلب ولا يحتمل منطق الهيام. الى متى يُنحر ودعاء القلوب، ويستشهد الحب على مذابح القسوة الوحشية، فوق صخور المصالح، خارج الاسوار، لينتصر فقط منطق القوة المتخفية الغاشمة المتربصة بالانسان التي تلفه كخيوط العنكبوت وتصطاده كشباك البحر كلما اراد العوم فوق هيجان امواج هذا العالم الاسير، المحصور والمهزوم؟ هذا ما حصل مع سيد المحبة الذي لم يحب احد في العالم مثله لا قبله ولا بعده لا في السماء ولا في الارض ولا تحتها. لم يحب احد كما احبنا الله من خلال يسوع المصلوب الذي ارتفع صليبه في وجه التاريخ، وعلا صوته في قلب العالم “انا عطشان”. انه عطشان الى المحبة الحقيقية، عطشان الى قلب الانسان. هل يقدر الانسان ان يسمع هذا الصوت الالهي؟ هل يتمكن الانسان ان يروي غليل الحب الالهي؟ ما بال عقل الانسان غارقاً في تفاهات المنطق وسحر النظام الوجودي؟ حتى ما يبقى عقل البشر مأسورا ومسحورا بمفاعيل القواعد الاولية للاحاسيس الوجودية، ولا يترك نفسه يستسلم الى الحب الالهي، الى العقل الحقيقي لكل الحركة الانسانية والكونية وحتى المادية. ألم تأتِ بعد ساعة الحرية؟ الم يفهم بعد ان المحبة والحب هما الطريق الى الحرية، الى الحياة، الى الحق؟
المحبة لا تسقط ابدا (1 كور 13/8)
هنا تكمن الحقيقة الساطعة، الصارخة؟ الله محبة قال الكتاب (1 يوحنا 4/8) الله محبة. ارتفعت العلامة على الصليب. تكلم المصلوب فوق الخشبة: “السماء والارض تزولان وكلامي لا يزول” (لو 21/33). ان يكون الله او لا يكون، ليس هنا السؤال. الانسان وحده يكون او لا يكون. ان تنتصر المحبة المصلوبة المطعونة بالحربة من اليد الحديدية، يد الاقوى والاعظم، والاكبر، والحاكم. انها القوة الالهية، انها الحب الالهي. الله يحب الابن، فجعل كل شيء في يده (يو 3/35) قام وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الله الاب”. وما صعد احد الى السماء الا ابن الانسان الذي هو في السماء ونزل من السماء (يو 3/13) وان الله وحده يقول ان تكون او لا تكون، يقرر ان تبقى او لا تبقى، ان تعلو او ان تسقط، وحتى ولو اعطى لك ان تقرر في ذلك ايضا، وما هذا الا لأنه الحب الالهي الخالق السرمدي. وهو قال لتكن الحياة فكانت، وهو رفع ابن الانسان، لينال كل من يؤمن به الحياة الابدية (3/14).
واعظمها المحبة: والذي يثبت الآن هو “الايمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة واعظمها المحبة” (1 كور 13/13).
هذا الكلام الالهي، يحمل بنا الى قلب الحقيقة في انتقال العذراء، انها قوة المحبة الالهية، والمحبة الالهية وحدها ان فعلت قلبت العالم رأسا على عقب. ان فعلت وحدها ولا شي مثلها قادر على الوقوف في وجه الجاذبية القاتلة التي تدفع بنا بالجسد الى الموت، الى التراب، الى القعر، الى القدر، الى اللاشيء. انها القوة الوحيدة التي استطاعت ان تخلق الحياة من العدم. وأن تقلب اللعنة على الصليب الى القيامة. انها قوة المحبة الالهية. لمن اعطاها الرب منذ الخلق حتى المسيح وما بعده. اعطاها للذين احبوه فوق الايمان، للذين هاموا في حبه وتاهوا ابعد من الرجاء ويمكن ان اذكر البعض منهم في الكتاب المقدس: هناك ايليا الذي تجلى بالقرب من المسيح رفع الى السماء حيا واخنوخ النبي في الزمن الاول من الخليقة توارى بارادة الهية فكانا رمز المشيئة الالهية، علامة الازمنة الآتية، شهودا للمحبة الالهية، للعهد الجديد. الرب يسوع، وما قاله اعظم من كل الكلمات، لأن المسيح جاء من فوق، فهو فوق الناس جميعا (يو3/31) لأنه كلمة الحياة، كلمة المحبة التي كانت في البدء، وكانت في الله وكانت الله، لنسمع ونؤمن ونحب: من عمل بكلامي لا يرى الموت ابدا (يو 8/51).
من يسمع لي ويؤمن بمن ارسلني، فله الحياة الابدية ولا يحضر الدينونة لأنه انتقل من الموت الى الحياة (يو5/ 24)
لنختم بالقول الحق الذي قاله رب الحياة وسيد القيامة واله المحبة التي لا تزول: “لو شئت ان يبقى الى ان اجيء فماذا يعنيك، اتبعني انت!” (يو 21/22).
الانتقال حقيقة الهية، انها اكتمال المشيئة الالهية، انها الحنان الالهي يرفع بالأم مريم، بكليتها الى كمال الحب الالهي.

Published: 2007-08-17