الميلاد – عيد التجسّد

أقبل العيد

في هذا الأحد المعروف بأحد النسبة يطل علينا العيد من الإنجيل بصورة واضحة اذ ان متى يذكر أسلاف المسيح منذ ابراهيم مرورا بداود حتى يصل الى الكلام عن مولده. والعيد كما تذكرون كان يقام قديما في يوم واحد مع الغطاس، ولذلك سميت الذكريان عيد الظهور الإلهي، حتى رأت الكنيسة في اواخر القرن الرابع ان تعزل ذكرى الميلاد عن ذكرى المعمودية فكان لنا عيدان كل منهما يدل على ظهور الإله بين الناس.

المسيح هو ابن الله الظاهر في الجسد لكي نعرف الله به، وذلك تحقيقا لنبوءة اشعياء: “ها العذراء تحبل وتلد ابنا”. الطفل الذي أمامنا في مذود بيت لحم هو المخلص. واسمه يسوع يعني ان الله يحررنا. وهذا يتحقق بتعليمه اولا، ذلك التعليم الإلهي الذي اذا انسكب في القلوب يحييها. ثم كل عمل قام به السيد من شفاء او عطف على الضعاف كان تهيئة للخلاص المزمع ان يبدو على الصليب وفي القيامة.
من هذه الزاوية كان المسيحيون قديما يقولون: الميلاد فصح صغير بمعنى ان جوهر العيد يتضمن معنى الخلاص الذي سيكون كاملا على الجلجلة.
كيف يجب ان نعيش العيد؟ كلام الملائكة للرعاة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام في أناس المسرة”. فيها الجواب. عندنا اولا تمجيد لله، تعظيمه في قناعتنا، اعترافنا بقدرته على كل شيء، وتلبيته كل ما نطلبه ان كان نافعا لخلاصنا بمجده. هذا التمجيد هو الذي يجعل في قلوبنا سلاما. غير ان الملائكة قالوا: “في اناس المسرة” اي الذين سُرَّ الله بهم، التائبين، المستنيرين.
اذا سمعنا هذا الكلام في خدمة العيد نرجو ان يهدينا الله الى ذاته فيرفعنا بالتمجيد ويجددنا بالسلام الداخلي.
كيف نسمع ان قبعنا في بيوتنا صباح العيد ولم نشترك في الذبيحة الإلهية؟ مسرات الدنيا، سهرة العيد، زينته ليست هي العيد. الأضواء الكهربائية في البلد ليست هي العيد. من أحب هذه الأشياء فلتكن له. ولكنها خارجية. العيد هو يسوع الذي نسمعه ويخاطبنا ويضع فرحه فينا.
ليست لنا تحية ميلادية خاصة. الشعب الصربي استحدث تحية ويقول: “المسيح ولد” والجواب “حقا ولد”. اذا لم نقلها نستطيع على الأقل اذا هنأنا احدا بالعيد او تقبلنا التهنئة ان نفكر بأننا نعايد بسبب من ذلك وليس لأننا في مناسبة اجتماعية.
هناك شيء آخر يلازم العيد وهو ان يسوع كان صغيرا. كيف نترجم ذلك لأنفسنا؟ ليس في كنيستنا ابتهاج خاص بالأطفال. ولكن الذين جعلهم الله همه هم صغار النفوس، الأذلاء الفقراء المعذبون. هؤلاء يلازمهم الطفل الإلهي، يحملهم في قلبه. ماذا نعمل نحن لنعزي المنكسري القلوب، المتروكين في الأرض الى عزلتهم، الذين لا يتمتعون بدفء العاطفة؟
هذا هو العيد الذي يدفعنا الى ان نسعى اليهم. الميلاد تربيتنا على المحبة. هذه تمارسها في الحقيقة حولك، كل يوم، بدقة وفي رقة يسوع حتى يشعر كل هؤلاء انهم اخوة له.
اي مخلوق تحتضنه انت احتضانا صادقا وفعالا تجعله يحس بأنه ليس بعيدا عن المسيح.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).