palm_sunday_s.jpg

لم يركب يسوع حصانا ولكن جحشا أي صغير الحمار، فإن موت السيّد أملى عليه دخولا متواضعا يواكبه فيه أطفال وبالغون لهم قلب طفل. يجلس على جحش “ليَحُلَّ بهيميّة الأمم القديمة” . يصوّر إلغاء الحيوانية التي نحن عليها ولكنّها لن تلغى إلا على صليبه.

“الله الرب ظهر لنا فأقيموا العيد”. عيد فيه اختفاء يسوع. ولكن الإله لن يظهر لنا حقيقته الا في حبه المسكوب على الخشبة وفي يوم نصره عند فجر الفصح. كم كنت أتمنّى الا يحصر الكبار العيد بأولادهم اذ الأحرى بنا، كبارًا، أن نحمل سعف النخل وأغصان زيتون لنقول ليسوع إن قلوبنا أمست معدّة لاستقباله على رغم خطايانا.

دخول أورشليم بدء الشروق وتطوع السيّد لآلامه، وبهذه الآلام نصير نحن بيته اذ نتجدّد بالكأس الإلهيّة التي نشربها من يديه الطاهرتين البريئتين من العيب. هذه الكأس هي دم العريس. لذلك نقول له الأحد مساءً “إنني أشاهد خدرك مزيّنا يا مخلّصي”. والخدر هو بيت العريس، ونتوق الى دخوله اذ كل منا يؤمن انه مدعوّ الى أن يكون العروس، ولكنا نعترف اننا لا نستحق ذلك.

ونعيش صلاة الخَتَن (أي العريس) ثلاث مرات منذ مطلع الأسبوع، اي اليوم وفي كل ليلة يتوق كل منا أن يكون العروس، غير اننا نعلم أن العرس لن يتم الا بالدم المراق ويظهر بهاؤه يوم القيامة.

لا نعرف بدقة كيف قضى السيّد كل هذه الأيام في أورشليم بعد دخوله حتى حلول العشاء السري. خمسة إصحاحات كاملة وردت في متى تروي أمثالا حكاها كمَثَل الكرامين القتلة ومَثَل وليمة المَلِك. فصول تتضمّن أيضا مناقشات بينه وبين الصدوقيين وتعنيفه للكتبة والفريسيين ثم حديثه عن الدينونة ونهاية العالم. هذه الفصول تأتي متفاوتة الحجم في الأناجيل الأربعة. يسوع يعلّم كثيرا وهو عالم أنه ذاهب الى الموت.

بين هذا التعليم المكثّف وإدانته والحكم عليه، المفصل الكبير هو العشاء السري الذي أعطانا فيه جسده أي ذاته وأعطانا دمه أي حياته كلّه لنحياه اذا أكلنا هذا الخبز وشربنا من هذه الكأس ولا نموت ابدا. إن موت السيد حياة لنا دائمة. ينتقل إلينا بالمعمودية وسر الشركة (القرابين المقدسة).

هذا هو معنى الذكرى ليس انها تَذَكّرٌ لحادثة صارت ومضت، ولكنها اتخاذ للحادثة اليوم. نحن لا نذهب الى العشاء السري بالخيال. هو يتحقق كل مرة نقيم فيها الذبيحة الإلهيّة “اقبلني اليوم شريكا لعشائك السري يا ابن الله”. ولكونه مات عن كل واحد، يغذّي كل مؤمن به أحدا بعد أحد وعيدا بعد عيد كي لا نجوع أبدا ونموت من الجوع.

وبعد أن أطعم التلاميذ ذاته ذهب الى الموت حتى لا نذوق الموت الى الأبد. وكان قد قال لمرتا التي ظنّت أنه سيُحيي أخاها في اليوم الأخير:”أنا القيامة والحياة”. هذا حديث جديد بالكليّة عن القيامة. القيامة الأخيرة ستأتي بلا شك وقال هو هذا. الا أنه قبيل إقامته لعازر قال لأخته: “أنا القيامة والحياة”. أنا شخصي الألف والياء، البداءة والنهاية. والمسيحيّة كلّها أن نؤمن به معلّما وربا ومخلصا. وايماننا به يمدّنا بالحياة الحقيقيّة الوحيدة.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).