2 تموز

جوفينال بطريرك اورشليم

بعد ثلاثين سنة من الضوضاء والضجيج ، كان الشيخ الوقور في النهاية يحتضر ، وفي سنة

458 رقد بدون حركة على سرير المرض الذي كان قد ادرك انه سرير الموت ايضا ، وفي الايام الاخيرة من حياته ، كانت له الفرصة لمراجعة جهاده ونضاله كبطريرك على اورشليم ، كقائد كنسي عمل ما بوسعه كي يخدم الله واخوته المسيحين طوال فترة القرن الخامس الصاخب .

بالنسبة للقديس جوفينال الذي ولد سنة 380 م ، والذي كان صديقا حميما لبعض النساك الذائعي الصيت في الكنيسة الاولى من امثال افتيميوس ، ثيودوسيوس ، جراسيموس ، وسمعان العامودي ، فان اهم شيء الان الشكر والعرفان الذي يشعر به تجاه الله القدير ، كان يشكر الله على امور كثيرة ، ولكن فوق كل شيء كان شكره على امر واحد اكثر من سواه .

طوال ثلاثة عقود من النضال الدؤوب ، ومنذ ان اصبح جوفينال بطريركا سنة 420 ، لم يكن الهراطقة قد تمكنوا من تفتيت نقاوة الايمان الارثوذكسي  الا انهم حاولوا مرارا ، واكثر من مرة اوشكوا ان ينجحوا ، وكم كانت تعاليمهم المزيفة مؤثرة على الايمان الاصيل الذي لقنه الفادي القدوس ! وبينما اصر بعض المعلمين المزيفين على مقولة ان المسيح هو مخلوق فان  وليس هو اكثر من نبي لطيف وحكيم ، الا ان اخرين ناضلوا ونادوا ان المخلص هو الله ، وليس مخلوقا فانيا .

لقد اخفقت الهرطقات في تكريم اهم قسم من الدستور الذي عبر عنه البطريرك جوفينال في حياته ، ومفاده ان يسوع مساو للاب في الجوهر ، وان طبيعته هي انسانية والهية في الوقت نفسه .

تمدد القديس جوفينال على سرير الموت ورفع صلاة الشكر لله ، ومنذ ان كان يتذكر ، كان يناضل ضد الهراطقة ، انه شخصية شجاعة ، لقد شق طريقه وسط اثنين من اكثر المجامع المسكونية اهمية في تاريخ الكنيسة الاولى : المجمع المسكوني الثالث الذي كان قد انعقد في افسس ( الان جزء من تركيا ) وذلك سنة 431 م ، والمجمع المسكوني الرابع الذي انعقد في خلقيدونيا تماما بعد مرور عشرين سنة ( وايضا جزء من تركيا ) .

وفي افسس حيث ترأس القديس كيرلس الاسكندري اعمال المجمع ، ارغم القديس جوفينال على محاربة الهرطقة المجدفة التي صاغها نسطر الذي كان قد شدد ان يسوع هو الابن المائت للمغبوطة مريم العذراء ، وبعد حقبتين من الزمن ، وفي خلكيدونيا ، سنة 451 طلب منه ان يتنصل من العقيدة المضللة التي اطلقها اسقفان خائنان هما : افتيخيس وذيوسقوروس ، وكلاهما اعلنا صراحة ان المسيح الهي ، الا انه يفتقر الى طبيعة انسانية .

وفي هذين الاجتماعيين ، فان القديس جوفينال ورفقاءه حاولوا ان يسودوا ، وكان البطريرك قادرا ان يعود الى موقعه في اورشليم مع صلوات الشكر ، والكثير من الانشراح ، الا ان الهراطقة لم ينثنوا عن موقفهم بل تابعوا المؤامرة ضد المعتقد الارثوذكسي ، من جهة ، فالبطريرك اقصي عن المدينة المقدسة بعد ان حاول ديوسقورس ان يقنع ثيودوسيوس بصحة نظرته ، واستجاب ثيودوسيوس ، بأن جعل نفسه بطريركا على اورشليم !

وازرته لبعض الوقت الامبراطورة افدوكيا ارملة الامبراطور الراحل ثيودوسيوس الصغير ، وقد حاول ثيودوسيوس ان يستأثر بالسدة على الاقل لفترة من الزمن تناهز العشرين شهرا ، ولكن في النهاية والشكر لله ، كانت الامبراطورة قد مضت كي تقابل الراهب العظيم والناسك الكبير سمعان العامودي الذي اقنعها بضرورة اماطة اللثام عن الملف ، وبضرورة استئصال الهرطقة المذكورة من جذورها .

ولما اقتنعت الامبراطورة بكلمات الراهب سمعان ، قامت وانتفضت ضد البطريرك المزيف ثيودوسيوس وامرت باعادة البطريرك جوفينال الى سابق موقعه في اورشليم ، وهذا النضال انكشف في عهد ماركيان وبولخاريا في القسطنطينية ، وعندما انتهى ، نجت الكنيسة المقدسة على نحو عجائبي من مخاطر الفساد العقائدي .

ليس من خطر ضد كنيسة المسيح على الارض ، اكبر من الهرطقة ، والقديس جوفينال الممدد على فراش المرض بعد 38 سنة في موقعه كبطريرك على اورشليم ، ابتسم في الطريق التي اختارها الله فبحكمته يحفظ العقائد والتعاليم قويمة ونقية .

وفي السنتين اللتين حكم فيهما ثيودوسيوس الجاحد في المدينة المقدسة ، كان المؤمنون في اورشليم قد اصبحوا على شيء من الغموض ، وعلى نحو خطير ، هذا هو التهديد الكبير ضد انجيل ابن الله ، والذي ينجم عن انبياء الهرطقات الكاذبة . والشكر لصبر القديس جوفينال وعزيمته وشجاعته ، فالتهديد الهرطوقي لم ينجح .

وبالنسبة للقديس الممدد على فراش المرض والموت ، فان فرحة الارثوذكسية العظيمة ، يمكن ان تسمع في ما قدمه القديس كيرلس للمجمع الثالث ، فأشار الى طبيعتي يسوع المسيح الالهية والانسانية في اعلان بارز وصريح : ” نحن لا نكرز بشخص مؤله ، بل نقر ان الله نفسه تجسد ، فقد كان بدون ام من جهة ابيه ، وبدون اب من جهة امه ، على الارض “.

ان سيرة البطريرك القديس جوفينال تسطع كسيرة واحد من اباء الكنيسة الذي لم يكف يوما عن الجهاد لحماية الحياة الروحية في ابرشيته ، على هذا النحو ، فان تاريخ البطريرك يعكس تاريخ كنيسته المقدسة .