كيف نقترب من القديسين؟
كيف نقترب من القديسين؟ بقلم الأرشمندريت المتوحِّد أليشع رئيسُ دير سيمونوبترا، الجبل المقدَّس - آثوس قالَ أحدُ رؤساءِ الكهنةِ المعاصرينَ الكثيريِ الحكمةِ، القولَ التالي إنَّها لَشجاعةٌ جدًّا أنْ توجدَ: "وتعيشَ بقربِ أَحدِ القدِّيسين فهذا يتطلَّبُ تواضعًا وصلاةً دؤوبة". أنا أوافقُهُ الرأيَ بالمطلق، ولكنْ، لأيِّ سبب؟ القدِّيسُ يكونُ في حالةٍ ساميةٍ مقابلَ الذي لايزالُ بعدُ مجاهدًا، ويحاولُ الاقترابَ من خطوطِ التَّماسِ مع الله. فالقدِّيسُ قدِ امتلَكَ فكرَ المسيحِ ويقودُهُ الروحُ القدس. وبالتالي،يظهرُ، مرَّاتٍ كثيرة، بحالةٍ يصعبُ فهمُها، في كيفيَّةِ تفكيرِه وكيفيَّةِ عملِه. بالطبع، هو ليسَ متحرِّرًا من الأهواءِ المعروفةِالمشتركة، من حاجتِهِ إلى النوم، والطعام، والأحاسيسِ الجسديَّة. ولا يتزيَّنُ أيضًا بمواهبِ اللهِ جميعِها، طالما أنَّه، بحسبِخاصِّيَّةِ الطبيعةِ البشريَّة، يقبَلُ ملءَ المواهبِ الخاصَّة، كما يُحلِّلُ القدِّيسُ البارُّ مكسيموس المعترف بعمقٍ وبرؤيةٍ ثاقبة. ولكنَّالقدِّيسَ يختلفُ عمَّن ليسَ قدِّيسًا في مواجهتِهِ للأهواءِ الطبيعيَّةِ المشتركة. وهذه المواجهةُ تكونُ دائمًا حسبَ مشيئةِ اللهِ وتعملُعلى مستوى الروح. على هذا الأساس، كلُّ من يُوجَدُ قربَ أو يقتربُ من أحدِ القدِّيسين، حتَّى لا يتعثَّرَ من طريقةِ حياتِهم بشكلٍ عامّ، يجبُ أنْيكونَ مُعتقًا من كلِّ أشكالِ الكبرياء. أعتقدُ أنَّنا، مرَّاتٍ كثيرة، نقتربُ من أناسٍ مواهبيِّينَ، إمَّا لنظهرَ على قداسةٍ شخصيَّةٍمزعومة، عن طريقِ دعايةٍ ما، وإمَّا لنفتخرَ أنَّنا استحقَقْنا أنْ نكونَ بقربِه، وقد كانَت لنا معَهُ أحاديثُ وخبرات، أو أنَّهُ بهذهالزيارةِ اليتيمةِ أخَذْنا من نعمتِه، وصِرْنا أولادَهُ الروحيِّينَ على الفور، مُخبِّئينَ هكذا الكثيرَ من مشاعرِ النقص، والمراءاةِ أوالحماقةِ الطفوليَّة... لقد نسِينا ما قيل: "إذا كنتم أولادَ إبراهيم، فاعملوا أعمالَ إبراهيم"... القداسةُ، إذًا، ليسَتْ وليدةَ الاتِّصالِ فقط،ولا هي ابنةُ اللحظة. عندما نقتربُ من أحدِ القدِّيسينَ بروحِ التلمذةِ المتواضعة، نمتلِكُ في ذواتِنا فرصةً رائعةً لننتقلَ إلى جوٍّ آخر، جوِّ روحِ الله،الذي من خلالِهِ يتصرَّفُ القدِّيسُ ويعملُ ويعيش. وهكذا، فيما نحنُ نُميِّزُ بينَ سموِّه وفقرِنا الروحيّ، نتواضعُ بالأكثرِ ونفتحُقلوبَنا لتقبُّلِ المستريحِ في قلوبِ المتواضعين، حافظًا إيَّانا من أخطرِ أشكالِ الحربِ الروحيَّة، والمجدِ الفارغ، والاكتفاءِ الذاتيِّ،والتفكيرِ في أنَّنا ذوو شأنٍ عظيم. من ناحيةٍ أُخرى، عندما نقتربُ من الشخصيَّةِ المقدَّسةِ بروحِ الفضوليَّةِ والاعتدادِ الروحيِّ بالذات، أو من جهةِ الشعورِبالكمالِ الروحيّ، إذ ذاك، نُعَرِّضُ أنفسَنا لخطرِ السقوطِ في فخِّ الإعراضِ عنهُ عندما سينصحُنا في أمورٍ كثيرة. فتأتي هذهالنصائحُ متعارضةً مع الصورةِ الخاصَّةِ لشخصيَّتنا، التي رسمناها لوحدِنا. عندما نُحدِرُ القدِّيسَ إلى قياسِنا ونحكمُ عليهبمقاييسَ روحيَّةٍ متدنِّيةٍ أو حتَّى بشريَّةٍ أيضًا، فمن المؤكَّدِ أنَّنا سنُديرُ له ظهرَنا، غيرَ قادرينَ أنْ نتقبَّلَ قساوةَ أقوالِه، التي هي،على درجةٍ كبيرة، لاذعةٌ ومؤنِّبةٌ لأفكارِنا وذكرياتِنا الداخليَّة. وهكذا نستطيعُ أنْ نفحصَ حالتَنا في قراءتِنا لسِيَرِ القدِّيسين. فالأحداثُ الفائقةُ الطبيعةِ تُواضِعُ المتواضعَ أكثر، أمَّاالمتشامخُ، فتجعلُهُ يعتبرُ أنَّ تحقيقَها مستحيل، أو أنْ يُدرجَها تحتَ أشكالِ القصصِ الأسطوريَّة، التي تُفيدُ فقط ذوي إمكانيَّةِالوَعْيِ الروحيِّ الضعيفة... [...]