خدمة المؤمنين في الوعظ والصلوات والرعاية يقول بولس إن فيها تعبا وتعييرا. امّا التعب فلكون الكاهن يستغرق ذلك منه وقتًا طويلًا وانشغال بال ومتابعة لأمور المؤمنين وإلّا كان كسولا. اما التعيير (الانتقادات) فلأن بعضا من المؤمنين عن حق او باطل ينتقدونه ويرتكبون النميمة بحقه أكانوا دارسين مبرر الذم ام غير دارسين. وهو يستقوي بالله إزاء التعديات لارتباطه بالرب الذي يخلّص المؤمنين ومنهم أهل النميمة.هذا الكلام موجّه الى تيموثاوس تلميذ بولس وكان شابا وتخوّف بولس الا يتقبل بعض الرعية شابا راعيا لهم فكتب له “لا يستهن أحد بفتوّتك” فكان عليه ان يقنعهم بأنه مستحق للرعاية اذا عمل بما أوصاه الرسول: “كن مثالا في الكلام” اي في المعرفة والسلوك والمحبة والعفة. غير ان هذا يجب ان يرافقه مستلزمات الكهنوت: “كن مواظبًا على القراءة الى حين قدومي”، والقراءة آنذاك تعني قراءة العهد القديم وما ظهر منرسائل بولس لأن الأناجيل لم تكن قد دُوِّنت بعد. هل أراد بولس ان يتثقّف تلميذه بالآداب الوثنيّة من شعر وفلسفة؟ هذا ممكن لأن الرسـول نـفسه كان مطّلعـًا علـى الفـلسفة اليـونانية وربـما عـلى بعـض من الأدب. كـان مطّـلعـًا بالتـأكيد علـى الفلسفة الرواقيّة وأقوال من أرسطو.لماذا قال بولس لتلميذه: “واظب على القراءة حتى قدومي”؟ لأن تيموثاوس يمكن ان تثير فيه قراءة العهد القديم تساؤلات ولا بد له من أن يفسّر له معلّمه بولس ما لم يفهمه.ثم قال له: “واظب على الوعظ والتعليم”. الوعظ هو الوعظ في القداس الإلهي وموجّه الى كل فئات الشعب وعلى شيء من البساطة اي انه يأخذ بعين الإعتبار المسائل التي يعرف الكاهن ان المؤمنين في حاجة الى توضيحها ويعرف الواعظ ضعفاتهم ويسعى الى تقويتهم ودعوتهم الى التوبة حتى يتمكّنوا من بعد سماع الوعظ ان يتناولوا جسد الرب ودمه. ثم جاءت القوانين فيما بعد وجعلت الموعظة إلزاميّة في كل خدمة ما يعني انّ كلام خدمة معيّنة كالمعمودية والجناز مثلا كلام لا يكفي ويجب على الكاهن ان يفسّر المعاني التي تتضمّنها الخدمة. المهم أن يرفع الكاهن عقول المؤمنين وقلوبهم الى الله ويجمّلها بالنعمة حتى اذا خرجوا من الكنيسة يكونون قد تزوّدوا بزاد يقيت روحهم ويحفظهم الى القداس في الأحد اللاحق. ولا يتكاسلنّ الكاهن بقوله إنهم يفهمون مما سمعوا. فلو كانوا عالمين بالمعاني لما كتب مواعظ في المعموديّة القديس كيرلّس الأورشليمي والقديس يوحنا الذهبي الفم.ثم يقول بولس إن تيموثاوس صار كاهنًا بوضع أيدي الكهنة. يصل الإنسان اذًا الى الكهنوت بالرسامة. من ذلك نفهم ان الكاهن يرئس كل خدمة إلهية ولا يُستعاض عنه.

غير انّ الرسول خشية من إهمال الكاهن لنفسه وعمله يقول له: “تأمّل في ذلك وكن عليه عاكفًا”. تأمّل بكل هذه التوصيات واتبعها “عاكفًا”، جديا ولا تكن كاهنًا بالتسمية.

“ليكون تقدّمك ظاهرًا في كل شيء” اي في كل فضيلة ذكرتها لك وفي كل النشاطات التي دعوتك إليها. أريد منك تقدما ظاهرا ليرى الناس أعمالك ويمجّدوا أباك الذي في السموات. اذ نقتبس النور الذي عند الإخوة فنحن نبني بعضنا بـعضًا بالقـدوة. فإذا كـنت أنت عفيفًا يندفع المؤمنون الى العفة وان كنت قارئًا يسعون هم ايضًا الى القراءة. هناك دائمًا منائر في كل رعية. نحن “جسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” ونكمل بعضنا بعضًا. هناك شروط أساسيّة للكهنوت ولذلك اذا رسم الأسقف كاهنًا يقول “مستحق” ويؤيّد الشعب ذلك. وأمّا من عرفوه غير ذلك فلا ينبغي ان يقدّموه لئلا يجدّف على اسم الله بسبب من كاهن غير مستحق. ليس عندنا محاباة للوجوه واسترضاء لهذا او ذاك. الكهنوت صارم وقبل ان نقدّم واحدًا له ينبغي ان نفحصه بتدقيق لئلا يُساء الى الخدمة.جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).كلمة الراعيالأحد 21 كانون الثاني 2007 العدد 3