عيد التجلي
تحتفل الكنيسة  الأرثوذكسية بالتجلي في 6 آب. يدعو العامة هذا العيد بعيد الرب وهذه التسمية لها اساسها العميق : يسوع المسيح ربنا وإلهنا . ففي التجلي ظهر لنا المسيح كإله ممجد, وأثبت لنا في تجليه جوهره الأساسي , الإله الممجد . قبل حدث التجلي هيأ المسيح تلاميذه لهذه الرؤيا بقوله ” إن قوماً من القائمين ههنا لن يذوقوا الموت قبل أن يروا ملكوت الله آتياً بقوة ” .
فمشهد التجلي هو لقطة خاطفة للمجيء الثاني وهو ما يسميه الآباء اليوم الثامن وهذا هو الملكوت الذي طالما تحدث عنه المسيح .
قراءة : متى 16-: 28—-17: 1 – 13
مجد الرب يتراءى لموسى في العهد القديم :
في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وفي برية سيناء استدعى الرب موسى إلى الجبل ليعطيه الشريعة على لوحتين حجريين – موسى هذا النبي العظيم الذي شق البحر الأحمر وقاد شعب الله من مصر وتاه به عبر الصحارى 0 لبى موسى دعوة الله وصعد إلى الجبل وفجأة غمرت الغمامة الجبل ومجد الرب استقر عليه,  ناداه الرب من وسط الغمامة وكان منظره كنار آكلة , فاقترب موسى ودخل في الغمامة وبقي 40 يوما وأربعين ليلة ( خروج 24 : 12 – 18 )
طلب موسى من الرب أن يظهر لـه مجده فأجابه الله “…. لا تستطيع أن ترى وجهي لأنه لا يراني إنسان ويعيش … قف على هذه الصخرة وإذا مر مجدي أظللك بيدي حتى أجتاز ثم أزيل يدي فتنظر قفاي وأما وجهي فلا يرى ” .( خروج33 : 21 و 22 )  وهكذا فعل الرب , فمر قدامه قائلاً : ” الرب إله رحيم ورؤوف ، طويل الأناة كثير المراحم ”  انحنى موسى وسجد أمام حضرة الله .
أما في القرن التاسع ظهر النبي إيليا وكان غاضباً , لأن ملوك اسرائيل بدؤوا يعبدون إله بعل فدافع إيليا عن الإله الحي ووبخ الملوك بشجاعة ، ثم سار هارباً من غيظ الملكة إيزابيل . يظهر  أمامه ملاك الرب فيقدم لـه الخبز والماء ويأمره بأن يتابع السير . مشى ايليا أربعين يوماً وأربعين ليلة حتى وصل إلى جبل موسى( حوريب)  فاستدعاه الرب ليريه مجده ثم أمره قائلاً : ” اخرج من المغارة وقف على الجبل ” , فهبت ريح عظيمة وشديدة 0 ولم يكن الرب لا في الريح ولا في الزلزال ولا في النار بل كان النسيم اللطيف .

1- ماذا يعني مجد الرب ؟
مجد الرب عند موسى نار متميزة عن الغمامة التي تصطحبه وتحيطه والتي تشير إلى حضرة الله .
وعند إيليا مجد الرب نسيم عليل يشير إلى الصداقة الودودة التي يهيئها الله لمحبيه .
من اقترب من مجد الرب استمد من نوره وشع وجهه كما حصل مع موسى الذي ظهر وجهه مشرقاً لامعاً بعد مقابلة الله فاضطر لاستعمال البرقع .(خروج 34 : 35 )
” وإذا بمجد الرب أتى إلى الهيكل ” 0ثم بدأ هذا المجد يتضح شيئاً فشيئاً وبدأ خياله يأخذ صورة شبه إنسان0 نعم لقد رأى حزقيال مجد الرب عائدا إلى شعبه بصورة ابن البشر . ( حزقيال 1 :27 )

مجد الرب يظهر في المسيح :  متى 17 : 1 –13   لوقا 9 : 28 – 37     مرقس 9 : 1 –13
” والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده … ”   ( يوحنا1 :14 )
” الله لم يره أحد قط : الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خّبر ” ( يوحنا 1 : 18 )

2- كيف كان الوضع قبل التجلي :
إن تجلي المسيح في الأناجيل يقع في لحظة حاسمة هي اللحظة التي يكشف فيها يسوع لتلاميذه الكيفية التي سيتم بها عمله ( بينما يعترف التلاميذ  بأنه هو المسيح  المنتظر متى 16 : 16 )
إن تمجيده سيكون بعثاً ( قيامة ) الأمر الذي يطلب عبور الألم والموت . وفي مشهد التجلي يبدو المسيح متمماً كتب الشريعة والأنبياء ونبوءا تهم عن السيد المسيح ابن الله  .

3- لماذا التجلي بحضور بعض التلاميذ وبحضور موسى وإيليا ؟
سيكون التلاميذ شهوداً لـلسيد المسيح كما يشهد بطرس ويعقوب ويوحنا:  ” فما اتبعنا نحن خرافات ملفقة حين أطلعناكم على قوة ربنا يسوع المسيح وعلى مجيئه ، لأننا بعيوننا رأينا عظمته “, ” فإنه نال من الله الآب إكراماً ومجداً حين جاءه من الله تعالى صوت يقول ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ” . “سمعنا نحن هذا الصوت آتيا من  السماء وكنا معه على الجبل المقدس” .( 2بط 1 : 16 – 18 )
وبما أن التجلي صورة مسبقة لقيامة المسيح ومجيئه الثاني أو بكلمة أخرى استعلان عن مجيء المسيح  الثاني,  فموسى هو رمز الفصح والعبور,  وإيليا رمز الانبعاث : ” اختطف إيليا وسط زوبعة في مركبة نارية تاركاً روحه لإليشع ”  كالمسيح حينما صعد وترك روحه للكنيسة , لكي ينفي عن التلاميذ الوهم الذي كان عند الناس أنه  إيليا أو أحد الأنبياء , كما أنه  يؤكد أنه رب الأموات والأحياء ,الشريعة والأنبياء,  المتزوجين و البتولين . وكما أن هذين النبيين رأيا مجد الله في العهد القديم كذلك يشهد الرسل مجد الله في حدث التجلي .

4- ما الفرق بين حضور الله في العهد القديم وحضوره في الانجيل ؟
لا يظهر حضور الله هنا بتحدثه  وسط السحاب أو النار, وإنما في حضرة إيليا وموسى . يظهر يسوع لتلاميذه متجلياً بمجد الله الذي يثير فرحة بطرس  فيقول ” ما أجمل أن نكون هنا ” . إلا أن هذا المجد ليس هو مجد اليوم الأخير ، إذ لم يعد لـه من تأثير سوى إضاءة  ثياب يسوع ووجهه ، هو المجد نفسه الذي أضاء وجه موسى ” وصار جلد وجهه يلمع …    فجعل على وجهه برقعاً ” .

5- ما الموضوع الذي تحدث به السيد المسيح مع موسى وإيليا ؟ لوقا 9 :31
كان الموضوع عن انطلاقه  من اورشليم , والعبور بالموت الضروري لدخول المجد ” أما كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام فيدخل في مجده ؟ “.( لوقا 24 : 25 – 27 )
والصوت الالهي : ” هذا هو ابن الحبيب فله اسمعوا ” يأمرنا بأن نسمع  للابن ، مختار الله .

6- ما غاية حادئة التجلي وثمرته :
حدث التجلي جاء بعد إعلان يسوع عن ملكوت السموات ( بالمواعظ والأمثال) وقبل آلامه, الإعلان الذي أدى إلى موته وقيامته.  لذا يعد التجلي الحدث الأهم( الذروة) في حياة يسوع التعليمية  .  أما بعد القيامة فقد جبر حدث التجلي قلوب تلاميذه المنكسرة وعزز إيمانهم بالمسيح , وأعاد إليهم السلام الروحي ليتمكنوا من تحمل المشقات في سبيل البشارة . فمن خلال مشاركة المؤمن آلام السيد المسيح يلتقي بالرب ويتواصل معه,  وهذا ما يعزز ويقوي إيمانه .
أ – يؤيد وحي يسوع : ابن الانسان المتألم والممجد والذي بموته ستتم نبوءات الكتب المقدسة .
ب – يكشف عن حقيقة شخص يسوع : الابن الحبيب السامي المقام الذي يملك مجد الله نفسه . يكشف عن الآب والابن والروح القدس ” هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا ” . الآب يشهد والابن يمجد والروح القدس تظلل على شكل غمامة .
ج – يسبق ويرمز إلى سر القيامة : نتعلم من التجلي أن لا اكليل مجد دون اكليل شوك ، لا قيامة دون موت ولا نعيم مع المسيح دون تحمل الآلام في سبيله عندما يقول بطرس : ” يا رب جيد أن تكون ههنا ..” يقول مرقس الانجيلي وهو يذكر قول بطرس ” لأنه لم يعلم ما يتكلم به ” لأنه لو علم لميز انه ليس بالإمكان أبدا نيل المجد دون احتمال الآلام . وليس بالامكان أن نرث ملكوت الله دون أن نسعى للحصول عليه بالإيمان والاعمال الصالحة . قال السيد المسيح : ”  من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ” .فلنتذكر دائما تجلي الرب على الجبل,  ولنسمع صوت الآب يأمرنا بطاعة الابن الحبيب فنسعى لبلوغ الكمال ونسلك حسب المشيئة الإلهية لنتمجد معه في الحياة .


بعض ما يقال في طقسنا السرياني في عيد التجلي 6 آب .

1-   فرح موسى ابن عمران لأنه تم كل ما رسم , وتجلت كل الأسرار الموجودة في أسفاره عن رب الكل .
2-   اجتمع المختاران ( موسى وإيليا ) عند الرب على جبل طابور وتضرعا إليه من أجل المغفرة,  وبواسطة الصليب نال كل الخليقة المغفرة
3-    تقابل رؤساء العهد القديم( النبيان )  برؤساء العهد الجديد( التلاميذ)  ووقف الابن بينهم كوسيط وهو الأول للعهدين المجد لـه ولمرسله
4-   نزل موسى  و إيليا  وصارا شاهدين للابن . صعد الواحد من العمق  ونزل الثاني من فوق  .
يقول مار أفرام في إحدى  قصائده الميلادية :

ترقبه موســى وإيـــليا :           المـــتواضع صعــد من العمق
والغيور نزل من العلى,           فشاهدا الابـــــــــن في الوســط
همـا صورا ســر مجيئه:          موســـــى مـــــــــــثّل الأموات
وإيلـــــيا مـــثل الأحــياء          الذين يطيرون للقائه عندما يأتي

5-   طلب موسى من المسيح أن يمكث على الأرض حتى يتوب جميع الخطاة , وسأل ايليا النزول إلى الموت من أجل النفوس المحبوسة في الجحيم .
6-   طوباك أيها الجبل ، بك زُيح ابن الله وتجلى مجده البهي . وقد أعطاك قوة لتستطيع أن تحمله .
7-   طوباكم أيها التلاميذ أي كرامة عظيمة منحكم الصالح وربكم الحقيقي 0جعلكم تشاهدون لاهوته المخفي بجسده , ونوِرتم بالروح القدس وسمعتم صوت الآب . طوبى لآذانكم التي سمعت ” هذا هو ابن الحبيب الذي به سررت ” .ورأيتم منظره السرمدي الإلهي . وفي الغيمة المضيئة البهية قابلتم وجهه الممجد البهي , وصرتم شهودا للمولود من الآب .
8   سمع الآب وغار على ابنه لأنه حُسب في عداد العبيد عندما قال بطرس : ” نصنع هنا ثلاث مظال ” ، فنزل الله في غيمة وصرخ ” هذا هو ابن الحبيب الذي به سررت “.

[ فكأن الآب يقول منزلة ابني اسمى من أن يكون  مساوياً لمنزلة موسى وإيليا .] 9-   سحابة النور صنعها الآب جنة لابنه , بها يكرم رأس الجبل لكي لا يصنع سمعان مظالاً مثلما قال أمام موسى وإيليا .
10-  ظللهم الآب بمظلة واحدة , بسحابة صنعها , وبذلك علمنا بأن الكنيسة واحدة , وواحد هو المولود الذي يخدم فيها . لم تكن 3 مظال بل واحدة للوحيد الواحد وليس كنائس بل كنيسة واحدة كنيسة ابن الله .
11-  جاء الأنبياء الكبار لتحيته ولتأكيد أقوالهم , وتحدثوا عن الضيقات التي ألمت بهم وكم من ضيق وألام تحملوا وعانوا من اليهود فاعترفوا وسجدوا لذلك الوسيط الذي تغير بمجد على الجبل .
12-  أتى موسى ليسلم المفاتيح لسمعان وكذلك ايليا ليسلم يوحنا المفاتيح . كهذين العبدين الشيخين تابع الرسل الذين اختارهم يسوع  وعلمهم أن تعاليم العهدين واحد كما.  أن يسوع قارن التوارة والبشارة أمام التلاميذ – مجداً واحداً يرتل الجميع .
13-  قال سمعان لماذا شئت ونزلت من عند الآب وتجسدت من البتولة مريم ؟
أجاب يسوع : إن بقيت عند الآب فمن سيموت من اجل آدم الخاطئ ومن سيدخل أرض الظلمات ليخرجه .
14.  من الجوقة الرسولية دعي موسى العظيم ورئيس الانبياء ايليا  , سمعان ويوحنا ويعقوب , وجبل الطابور الذي عاينه , دخن وارتعش خوفاً,  ومجده الجميع . مبارك مجيء الرب لكل الذين حضروا . وإلخ……………

اعداد: فريدة بولص ـ قنشرين