تعريف المديح

المديح هو قصيدة طويلة من القصائد الكنسية. هناك آراء مختلفة حول ناظم هذا المديح البديع، غير أن المرجّح اليوم أن ناظمه هو القديس رومانوس المرنم . المدائح مؤلفة من صلاة النوم الصغرى ثم تسع تسبحات للعذراء ثم المديح. للمديح مقدمة صغيرة تعرف اليوم بالقنداق (ترنيمة مختصرة) وتبدأ ” نحن عبيدك يا والدة الإله… ” ثم أربع أقسام أو أدوار، كل دور مؤلف من ستة مقطوعات وتسمى أيضا أبيات. المصدر الذي استقى منه الشاعر هذا المديح الرائع فهو إنجيل لوقا ، حيث الكلام عن بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للعذراء مريم (لوقا1: 26-56) . هذا المديح عبارة عن تاريخ حياة السيد المسيح مع الإشارة إلى بعض الحوادث التي رافقتها .
القسم الأول : يحتوي على إعلان الملاك لمريم حَبلها من الروح القدس وحَيرة العذراء من هذا الكلام الغريب . ثم ذهابها إلى نسيبتها أليصابات وأخيرا تعجّب يوسف من هذا الحبل . القسم الثاني : يشتمل قصة ولادة المخلص وسجود الرعاة وتقديم المجوس للهدايا ثم عودتهم إلى بلدهم. وهرب مريم ويوسف بالطفل إلى مصر ورجوعهم منها ثم على تسليم الطفل إلى سمعان الشيخ . القسم الثالث : يصف بصورة شعرية ممتازة تجديد الطبيعة البشرية من جرّاء ولادة المسيح الفادي وينصح الشاعر المؤمنين بأن يرفعوا عقولهم من الأرض إلى السماء، من حيث نزل الإله وصار على الأرض إنساناً مثلنا ليخلص الإنسان . القسم الرابع : والأخير فكله مديح لائق بالعذراء مريم التي استحقت أن تكون أما لخالق الكل ثم يختتمه الشاعر بالدعاء إليها لتتشفع فينا لدى ابنها كي يبعد عنا كل الضيقات والمصائب. يبقى أن أقول أن هناك كلمة تتردد كثيرا في هذا التسبيح هي كلمة” افرحي “أو” السلام عليك ” وهي مأخوذة من قول الملاك جبرائيل ساعة بادر بالتحية المعروفة للسيدة العذراء لوقا 1: 28
ما هي علاقة المدائح بالصوم؟ ولماذا يتلى فيه مساء يوم الجمعة عن سحر السبت؟
رتّبت الكنسيّة أن نصلي المديح، بالأصل، في سحر السبت الخامس من الصوم. ويتلى يومها بكلّيته أي الـ 24 بيتاً. ثم أُدخل، بعد تقسيمه إلى 4 مجموعات من 6 أبيات، على الأربع أسابيع الأولى من الصوم. وجرى نقله، كما في صلوات الأسبوع العظيم، إلى مساء الجمعة بدل سحر السبت لأسباب رعائية، حيث حضور المؤمنين ممكن أكثر. ولكن ما هي علاقة المديح بالصوم، ولماذا يُرتّل في سحر السبت؟ يسهر المؤمن، كالعذارى الحكيمات، في الأيّام الأولى من الأسبوع في التوبة والصلاة والصوم، ليؤهل ذاته للإتحاد بالعريس الربّ يسوع في المناولة ، يومي السبت والأحد. لذلك فإن ليلة الجمعة – السبت هي ليلة الزفاف الليتورجي، والزيانة لاستقبال الرب. يقوم المديح ليتورجيًا بالدور الذي أدته العذراء في التجسّد. فالعذراء هي الصلة بين الله والإنسان في التجسّد، هنا المديح يصير أداة الوصل الليتورجية بين أيّام الصوم، أيام الحزن البهيّ، ويوم الزفاف الإلهيّ للمؤمن. نرتل في المدائح للبتول قائلين “افرحي يا مزيّنة النفوس بزينة العرس”، وهذا ما يحقّقه المديح. إنّه يوشّحنا برداء العرس. حين ينظر المؤمن في العذراء وحين ينشد مرنّماً للعروس الأمّ ، تقوده ترانيم المديح إلى طهارة النفس وتنقله من الحزن البهي إلى فرح الخدر البتوليّ. إنّنا في المديح نتأمل في محبّة، وتواضع، وطهارة العذراء. ونعاين في ترانيمه صورة العروس الحقيقيّة المدعوين جميعنا إلى الإقتداء بمثلها. في المديح تتمّ أيضاً شفاعة العذراء، وما فينا من غير استحقاق تطهّره شفاعة العروس التي لا عروس لها.
لماذا المدائح للعذراء؟
* لأن الله أرسل الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل تسمّى الناصرة، إلى القديسة العذراء. نحن لسنا بافضل من الملاك لذلك نتجمع اليوم حول العذراء *لأن الملاك دخل إليها،وقال لها: “السلام عليك يا ممتلئة نعمة، الربّ معك” نحن الآن في المدائح نردد ما قاله الملاك للقديسة مريم .
* لأن حسب قول الملاك “الروح القدس حلّ عليها، وقدرة العلي ظلّلها، ومن أجل ذلك فالمولود منك سيُدعى قدّوسًا وابن الله”. افلا نجتمع لنكرم من لها هذه الصفات خاصة وان رضاها وموافقتها ومشاركتها الفعلية كانت مطلوبة فأعلنت * ألا نكرم من تم بواسطتها بدء خلاصنا إذ قالت “أنا أمة الربّ. فليكن لي بحسب قولك” إنّ لفظة “أمة الربّ”، تعني في الكتاب المقدّس اختيارًا من قبل الله لرسالة خاصّة، وفي الوقت عينه استسلامًا من قبل الإنسان وخضوعًا لتحقيق تلك الرسالة. لذلك تضيف مريم: “فليكن لي بحسب قولك”، مشيرة بذلك إلى رغبتها في إسهامها الفعلي في تحقيق القصد الإلهي. حوّاء المرأة الأولى رفضت الانصياع لأمر الله. أمّا مريم فقد قبلت قول الله وخضعت لقصده، وأتاحت لكلمة الله أن يتجسّد فيها ويظهر منها للعالم